أستثني فيه أنه لم يؤلّف في الإسلام تفسير مثله ، ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره.
ومنها في الحديث مصنّفه الكبير الذي رتّبه على أسماء الصحابة ، رضي الله تعالى عنهم! فروي فيه عن ألف وثلاثمائة صاحب ونيّف ، ثم رتّب حديث كلّ صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام ، فهو مصنّف ومسند ، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله ، مع ثقته وضبطه وإتقانه واحتفاله في الحديث وجودة شيوخه ، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلا ليس فيهم عشرة ضعفاء ، وسائرهم أعلام مشاهير. ومنها مصنّفه في فضل الصحابة والتابعين ومن دونهم ، الذي أربى فيه على مصنّف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنّف عبد الرزاق بن همام ومصنّف سعيد بن منصور وغيرها ، وانتظم علما عظيما لم يقع في شيء من هذه ، فصارت تآليف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام (١) ، لا نظير لها ، وكان متخيّرا لا يقلّد أحدا ، وكان ذا خاصّة من أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه!.
ومنها في أحكام القرآن كتاب ابن أمية الحجاري ، وكان شافعي المذهب بصيرا بالكلام على اختياره ، وكتاب القاضي أبي الحكم منذر بن سعيد ، وكان داودي المذهب قويّا على الانتصار له ، وكلاهما في أحكام القرآن غاية ، ولمنذر مصنّفات منها كتاب «الإبانة ، عن حقائق أصول الديانة».
ومنها في الحديث مصنّف أبي محمد قاسم بن أصبغ بن يوسف بن ناصح ، ومصنّف محمد بن عبد الملك بن أيمن ، وهما مصنّفان رفيعان احتويا من صحيح الحديث وغريبه على ما ليس في كثير من المصنّفات. ولقاسم بن أصبغ هذا تآليف حسان جدا ، منها أحكام القرآن على أبواب كتاب إسماعيل وكلامه ، ومنها كتاب «المجتبى ، على أبواب كتاب ابن الجارود المنتقي» وهو خير منه وأنقى حديثا وأعلى سندا وأكثر فائدة ، ومنها كتاب في فضائل قريش وكنانة (٢) ، وكتابه في الناسخ والمنسوخ ، وكتاب غرائب حديث مالك بن أنس ممّا ليس في الموطأ. ومنها كتاب «التمهيد» لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر ، وهو الآن بعد في (٣) الحياة لم يبلغ سنّ الشيخوخة ، وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلا فكيف أحسن منه ، ومنها كتاب «الاستذكار» وهو اختصار التمهيد المذكور ، ولصاحبنا أبي عمر بن عبد البر المذكور كتب لا مثيل لها : منها كتابه المسمّى بالكافي في الفقه على مذهب
__________________
(١) في ب : «قواعد للإسلام».
(٢) «وكنانة» هذه الكلمة غير موجودة في الجذوة.
(٣) في أ«يعدّ في الحياة».