ينفّس كربي إذ ينفّس كربه |
|
ويعظم أنسي إذ يقلّ أنيسه (١) |
إذا ما أعرت الجوّ طرفا تكاثرت |
|
على من به أقماره وشموسه |
رجع إلى ما كنّا فيه من كلام أهل الأندلس ، فنقول :
وكان محمد بن خلف بن موسى البيري متكلّما متحقّقا برأي الأشعرية ، وذاكرا لكتب الأصول في الاعتقاد (٢) ، مشاركا في الأدب ، مقدّما في الطب ، ومن نظمه يمدح إمام الحرمين رحمه الله تعالى : [الخفيف]
حبّ حبر يكنى أبا للمعالي |
|
هو ديني ففيه لا تعذلوني (٣) |
أنا والله مغرم بهواه |
|
علّلوني بذكره علّلوني |
وكتب أبو الوليد بن الجنان الشاطبي يستدعي بعض إخوانه إلى مجلس أنس بما صورته : نحن في مجلس أغصانه النّدامى ، وغمامه الصهباء ، فبالله إلّا ما كنت لروض مجلسنا نسيما ، ولزهر حديثنا شميما ، وللجسم روحا ، وللطيب ريحا ، وبيننا عذراء (٤) زجاجتها خدرها ، وحبابها ثغرها ، بل شقيقة حوتها كمامة ، أو شمس حجبتها غمامة ، إذا طاف بها معصم الساقي فوردة على غصنها ، أو شربها مقهقهة فحمامة على فننها ، طافت علينا طوفان القمر على منازل الحول ، فأنت وحياتك إكليلنا وقد آن حلولها في الإكليل ، انتهى.
وقال أبو الوليد المذكور : [مجزوء الكامل]
فوق خدّ الورد دمع |
|
من عيون السّحب يذرف |
برداء الشمس أضحى |
|
بعدما سال يجفّف |
وتذكّرت هنا بذكر الورد ما حكاه الشيخ أبو البركات هبة الله بن محمد النصيبي المعروف بالوكيل ، وكان شيخا ظريفا فيه آداب كثيرة ، إذ قال : كنت في زمن الربيع والورد في داري بنصيبين ، وقد أحضر من بستاني من الورد والياسمين شيء كثير ، وعملت على سبيل الولع دائرة من الورد تقابلها دائرة من الياسمين ، فاتّفق أن دخل عليّ شاعران كانا بنصيبين أحدهما يعرف بالمهذب والآخر يعرف بالحسن بن البرقعيدي ، فقلت لهما : اعملا في هاتين الدائرتين ، ففكّرا ساعة ثم قال المهذب : [مجزوء الكامل]
__________________
(١) نفّس كربه : فرّج عن همومه.
(٢) كذا في أ، ب ، ج. وفي ه «وذاكرا لكتب الأصول والاعتقادات».
(٣) الحبر ـ بفتح الحاء وسكون الباء : العالم ، وجمعه أحبار.
(٤) العذراء : هنا الخمر.