فلمّا تمكّن منه المأمون سجنه ، فكتب إلى ابن هود من أبيات : [الطويل]
أيا راكب الوجناء بلّغ تحيّة |
|
أمير جذام من أسير مقيّد |
ولمّا دهتني الحادثات ولم أجد |
|
لها وزرا أقبلت نحوك أعتدي (١) |
ومثلك من يعدي على كلّ حادث |
|
رمى بسهام للردى لم ترصد (٢) |
فعلّك أن تخلو بفكرك ساعة |
|
لتنقذني من طول همّ مجدّد |
وها أنا في بطن الثرى وهو حامل |
|
فيسّر على رقبى الشفاعة مولدي |
حنانيك ألفا بعد ألف فإنني |
|
جعلتك بعد الله أعظم مقصدي |
وأنت الذي يدري إذا رام حاجة |
|
تضلّ بها الآراء من حيث يهتدي |
فرقّ له ابن هود ، وتحيّل حتى خلّصه بشفاعته ، فلمّا قدم عليه أنشده : [المتقارب]
حياتي موهوبة من علاكا |
|
وكيف أرى عادلا عن ذراكا (٣) |
ولو لم يكن لك من نعمة |
|
عليّ وأصبحت أبغي سواكا |
لناديت في الأرض هل مسعف |
|
مجيب فلم يصغ إلّا نداكا |
فطرب ابن هود ، وخلع عليه ثوب وزارته ، وجعله من أعلام سلطنته وإمارته.
وقال المنصور بن أبي عامر للشاعر المشهور أبي عمر يوسف الرمادي : كيف ترى حالك معي؟ فقال : فوق قدري ودون قدرك! فأطرق المنصور كالغضبان ، فانسلّ الرمادي وخرج وقد ندم على ما بدر منه ، وجعل يقول : أخطأت ، لا والله ما يفلح مع الملوك من يعاملهم بالحقّ ، ما كان ضرّني لو قلت له : إني بلغت السماء ، وتمنطقت بالجوزاء ، وأنشد (٤) : [الطويل]
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة |
|
لنفسي إلّا قد قضيت قضاءها |
لا حول ولا قوة إلّا بالله. ولمّا خرج كان في المجلس من يحسده على مكانه من المنصور ، فوجد فرصة فقال : وصل الله لمولانا الظفر والسعد! إنّ هذا الصنف صنف زور وهذيان لا يشكرون نعمة ، ولا يرعون إلّا ولا ذمّة ، كلاب من غلب ، وأصحاب من أخصب ، وأعداء من أجدب ، وحسبك منهم أنّ الله جلّ جلاله يقول فيهم (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤))
__________________
(١) في ه : «أغتدي». والوزر : الملجأ. وأعتدي : أراد أطلب النصرة.
(٢) يعدي : ينصر.
(٣) عادلا : مائلا.
(٤) في ب : «وأنشدته».