وكان قد سلّط عليه إنسان مختلّ إذا رآه يقول : هذا ألف لا شيء عليه ، يعني أنّ ملكه ذهب عنه وبقي فارغا منه ، فشكا رفيع الدولة ذلك إلى بعض أصحابه ، فقال : أنا أكفيك مؤونته ، واجتمع مع الأحمق ، واشترى له حلواء ، وقال له : إذا رأيت رفيع الدولة بن المعتصم فسلّم عليه وقبّل يده ولا تقل هذا ألف لا شيء عليه ، فقال : نعم ، واشترط الوفاء بذلك ، إلى أن لقيه فجرى نحوه وقبّل يده وقال : هذا هو باء بنقطة من أسفل ، فقامت قيامة رفيع الدولة ، وكان ذلك أشدّ عليه ، وكان به علّة الحصا فظنّ أنّ الأحمق علم ذلك وقصده ، وصار كلّما أحسّ به في موضع تجنّبه.
واستأذن يوما على أحد وجوه دولة المرابطين فقال أحد جلسائه (أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٤] استحقارا له واستثقالا للإذن له ، فبلغ ذلك رفيع الدولة فكتب إليه : [الطويل]
خلت أمّتي لكنّ ذاتي لم تخل |
|
وفي الفرع ما يغني إذا ذهب الأصل |
وما ضرّكم لو قلتم قول ماجد |
|
يكون له فيما يجيء به الفضل |
وكلّ إناء بالذي فيه راشح |
|
وهل يمنح الزنبور ما مجّه النّحل |
سأصرف وجهي عن جناب تحلّه |
|
ولو لم تكن إلّا إلى وجهك السّبل |
فما موضع تحتلّه بمرفّع |
|
ولا يرتضى فيه مقال ولا فعل |
وقد كنت ذا عذل لعلّك ترعوي |
|
ولكن بأرباب العلا يجمل العذل |
وأما أخوهما أبو جعفر بن المعتصم فله ترجمة في المسهب والمطرب والمغرب (١) ، ومن شعره : [الطويل]
كتبت وقلبي ذو اشتياق ووحشة |
|
ولو أنه يسطيع مرّ يسلّم |
جعلت سواد العين فيه سواده |
|
وأبيضه طرسا وأقبلت ألثم |
فخيّل لي أني أقبّل موضعا |
|
يصافحه ذاك البنان المسلّم (٢) |
وأما أختهم أم الكرم فذكرناها مع النساء فلتراجع.
وقال أبو العلاء بن زهر : [الكامل]
تمّت محاسن وجهه وتكاملت |
|
لمّا بدا وعليه صدغ مونق |
وكذلك البدر المنير جماله |
|
في أن تكنّفه سماء أزرق |
__________________
(١) انظر المغرب ج : ٢ ص ٢٠٠.
(٢) في ب : «البنان المسلم».