مصنّفات في الحشائش لم يسبق إليها ، وتوفي بدمشق سنة ست وأربعين وستمائة ، أكل عقارا قاتلا فمات من ساعته ، رحمه الله تعالى!.
ومن حكاياتهم في الحفظ أن الأديب الأوحد حافظ إشبيلية ، بل الأندلس في عصره ، أبا المتوكل الهيثم بن أحمد بن أبي غالب ، كان أعجوبة دهره في الرواية للأشعار والأخبار ، قال ابن سعيد : أخبرني من أثق به أنه حضر معه ليلة عند أحد رؤساء إشبيلية فجرى ذكر حفظه ، وكان ذلك في أول الليل ، فقال لهم : إن شئتم تختبروني (١) أجبتكم ، فقالوا له : بسم الله ، إنّا نريد أن نحدّث عن تحقيق ، فقال : اختاروا أيّ قافية شئتم لا أخرج عنها ، حتى تعجبوا (٢) ، فاختاروا القاف ، فابتدأ من أوّل الليل إلى أن طلع الفجر ، وهو ينشد وزن : [الكامل]
أرق على أرق ومثلي يأرق (٣)
وسمّاره قد نام بعض وضجّ بعض ، وهو ما فارق قافية القاف.
وقال أبو عمران بن سعيد : دخلت عليه يوما بدار الأشراف بإشبيلية ، وحوله أدباء ينظرون في كتب منها ديوان ذي الرّمّة ، فمدّ الهيثم يده إلى الديوان المذكور ، فمنعه منه أحد الأدباء ، فقال : يا أبا عمران ، أواجب أن يمنعه مني وما يحفظ منه بيتا ، وأنا أحفظه؟ فأكذبته الجماعة ، فقال : اسمعوني وأمسكوه ، فابتدأ من أوّله حتى قارب نصفه ، فأقسمنا عليه أن يكفّ ، وشهدنا له بالحفظ.
وكان آية في سرعة البديهة ، مشهورا بذلك ، قال أبو الحسن بن سعيد : عهدي به في إشبيلية يملي على أحد الطلبة شعرا ، وعلى ثان موشحة ، وعلى ثالث زجلا ، كلّ ذلك ارتجالا.
ولمّا أخذ الحصار بمخنّق إشبيلية في مدة الباجي خرج خروج القارظين (٤) ، ولا يدري حيث ولا أين.
ومن شعره وقد نزل بداره عبيد السلطان ، وكتب به إلى صاحب الأنزال : [الكامل]
كم من يد لك لا أقوم بشكرها |
|
وبها أشير إليك إن خرست فمي |
__________________
(١) كذا في نسح النفح ، والأفضل أن يقال : «تختبرونني» أو «إن شئتم أن تختبرونني».
(٢) في ه : «حتى تعجبوا» وعجّ : رفع صوته.
(٣) هذا صدر بيت لأبي الطيب المتنبي والبيت هو :
أرق على أرقي ومثلي يأرق |
|
وجوى يزيد وعبرة تتدفق |
(٤) أي خرج ولم يعد ، ولم يدر أحد إلى أين ذهب. شأن القارظين المضروب بها المثل في عدم الأوبة.