ولمّا بدا شيبي عففت عن الهوى |
|
كما يهتدي حلف السّرى بنجوم (١) |
وفارقت أشياع الصبابة والطّلا |
|
وملت إلى أهلي علا وعلوم (٢) |
ولمّا تألّب بنو حسّون على القاضي الوحيدي المذكور صادر عنه العالم الأصولي أبو عبد الله بن الفخار ، وطلع في حقّه إلى حضرة الإمامة مراكش ، وقام في مجلس أمير المسلمين ابن تاشفين ، وهو قد غصّ بأربابه ، وقال : إنه لمقام كريم ، نبدأ فيه بحمد الله على الدنوّ منه ، ونصلّي على خيرة أنبيائه محمد الهادي إلى الصراط المستقيم ، وعلى آله وصحابته نجوم الليل البهيم ، أمّا بعد ، فإنا نحمد الله الذي اصطفاك للمؤمنين أميرا (٣) ، وجعلك للدين الحنيفي نصيرا وظهيرا ، ونفزع إليك ممّا دهمنا في حماك ، ونبثّ إليك ما لحقنا من الضيم ونحن تحت ظلّ علاك ، ويأبى الله أن يدهم من احتمى بأمير المسلمين ، ويصاب بضيم من ادّرع بحصنه الحصين ، شكوى قمت بها بين يديك في حقّ أمرك الذي عضده مؤيّده ، لتسمع منها ما تختبره برأيك وتنقده ، وإنّ قاضيك ابن الوحيدي الذي قدّمته في مالقة للأحكام ، ورضيت بعدله فيمن بها من الخاصة والعوام ، لم يزل يدلّ على حسن اختيارك بحسن سيرته ، ويرضي الله تعالى ويرضي الناس بظاهره وسريرته ، ما علمنا عليه من سوء ، ولا درينا له موقف خزي ، ولم يزل جاريا على ما يرضي الله تعالى ويرضيك ويرضينا إلى أن تعرّضت بنو حسّون إلى الطعم في أحكامه ، والهدّ من أعلامه ، ولم يعلموا أنّ اهتضام المقدّم ، راجع على المقدّم ، بل جمحوا في لجاجهم فعموا وصمّوا ، وفعلوا وأمضوا ما به همّوأ : [الخفيف]
وإلى السّحب يرفع الكفّ من قد |
|
جفّ عنه مسيل عين ونهر |
فملأ سمعه بلاغة أعقبت نصره ونصر صاحبه.
ومن شعر ابن الفخار المذكور ، ويعرف بابن نصف الربض ، قوله : [الطويل]
أمستنكر شيب المفارق في الصّبا |
|
وهل ينكر النّور المفتّح في الغصن (٤) |
أظنّ طلاب المجد شيّب مفرقي |
|
وإن كنت في إحدى وعشرين من سنّي |
وقوله : [المتقارب]
__________________
(١) في ب ، ه : «ولما بدا شيبي عطفت على الهدى». والسري : السير ليلا.
(٢) الصبابة : رقة الحب. والطلا : الهوى.
(٣) في ب ، ه : «للمسلمين أميرا».
(٤) النّور : نوع من الزهر الأبيض.