وكان عند المتوكل مضحك يقال له الخطّارة ، فشرب ليلة مع المتوكل ، وكان في السقاة وسيم ، فوضع عينه عليه ، فلمّا كان وقت السحر دبّ إليه ، وكان بالقرب من المتوكل ، فأحسّ به ، فقال له : ما هذا يا خطارة؟ فقال له : يا مولاي ، هذا وقت تفريغ (١) الخطارة الماء في الرياض ، فقال له : لا تعد لئلّا يكون ماء أحمر (٢) ، فرجع إلى نومه ، ولم يعد في ذلك كلمة بقيّة عمره معه ، ولا أنكر منه شيئا ، ولم يحدّث بها الخطارة حتى قتل المتوكل ، رحمه الله تعالى!
والخطارة : صنف من الدواليب الخفاف يستقي به أهل الأندلس من (٣) الأودية ، وهو كثير على وادي إشبيلية ، وأكثر ما يباكرون العمل في السحر.
وقال الوزير أبو زيد عبد الرحمن بن مولود : [مجزوء الرمل]
أرني يوما من الده |
|
ر على وفق الأماني |
ثم دعني بعد هذا |
|
كيفما شئت تراني |
وقال أديب الأندلس وحافظها أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري اليابري ، وهو من رجال الذخيرة والقلائد ، وشهرته مغنية عن الزيادة ، يخاطب المتوكل وقد أنزله في دار وكفت عليه : [الطويل]
أيا ساميا من جانبيه كليهما |
|
(سموّ حباب الماء حالا على حال) |
لعبدك دار حلّ فيها كأنها |
|
(ديار لسلمى عافيات بذي خال) |
يقول لها لمّا رأى من دثورها |
|
(ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي) |
فقالت وما عيّت جوابا بردّها |
|
(وهل يعمن من كان في العصر الخالي) |
فمر صاحب الإنزال فيها بعاجل |
|
(فإنّ الفتى يهذي وليس بفعّال) (٤) |
وقال في جمع حروف الزيادة حسبما ذكره عنه في «المغرب» : [الطويل]
سألت الحروف الزائدات عن اسمها |
|
فقالت ولم تكذب : أمان وتسهيل (٥) |
__________________
(١) في ب ، ه : «تفرغ».
(٢) كناية عن القتل.
(٣) «من» ساقطة في ه.
(٤) في ه «فمر صاحب الإنزال فيها بفاصل».
(٥) «أمان وتسهيل» هي أحرف الزيادة المجموعة في «سألتمونيها» وقد كثرت الضوابط لأحرف الزيادة حتى زادت على المائة.