وقيل : إنه خاطب بهما ابن عبّاد ملك إشبيلية وقد ماتت له بنت وولد له ابن ، وبعضهم ينسبهما لغيره.
ودخل الأديب أبو القاسم بن العطار الإشبيلي حمّاما بإشبيلية ، فجلس إلى جانبه وسيم خمريّ العينين ، فافتتن بالنظر إليه والمحادثة إلى أن قام وقعد في مكانه أسود ، فقال : [الطويل]
مضت جنّة المأوى وجاءت جهنّم |
|
فها أنا أشقى بعد ما كنت أنعم |
وما كان إلّا الشمس حان غروبها |
|
فأعقبها جنح من الليل مظلم |
وقال الأديب المصنّف أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن الإمام الإشبيلي ، صاحب «سمط الجمان» : [الطويل]
عذيري من الأيام لا درّ درّها |
|
لقد حمّلتني فوق ما كنت أرهب |
وقد كنت جلدا ما ينهنهني النوى |
|
ولا يستبيني الحادث المتغلّب |
يقاسي صروف الدهر مني مع الصّبا |
|
جذيل حكاك أو عذيق مرجّب (١) |
وكنت إذا ما الخطب مدّ جناحه |
|
عليّ تراني تحته أتقلّب |
فقد صرت خفّاق الجناح يروعني |
|
غراب إذا أبصرته وهو ينعب |
وأحسب من ألقى حبيبا مودعا |
|
وأنّ بلاد الله طرّا محصّب |
وقد امتعض للآداب في صدر دولة بني عبد المؤمن ، فجمع شمل الفضلاء الذين اشتملت عليهم المائة السابعة إلى مبلغ سنّه منها في ذلك الأوان ، واستولى بذلك على خصل الرهان ، وانفرد بهذه الفضيلة التي لم ينفرد بها إلّا فلان وفلان.
وكان الأديب العالم الصالح أبو الحسن علي بن جابر الدباج الإشبيلي إماما في فنون العربية ، ولكن شهر بإقراء كتب الآداب كالكامل للمبرد ونوادر القالي وما أشبه ذلك ، وكان ـ مع زهده ـ فيه لوذعيّة ، ومن ظرفه أن أحد تلامذته قال لغلام جميل الصورة : بالله أعطني قبلة تمسك رمقي ، فشكاه إلى الشيخ وقال له : يا سيدي ، قال لي هذا كذا ، فقال له الشيخ : وأعطيته ما طلب؟ فقال : لا ، فقال له : ما هذه الثقالة؟ ما كفاك أن حرمته حتى تشتكي به أيضا؟ وحسبك من جلالة قدره أنّ أهل إشبيلية رضوا به إماما في جامع العديس (٢).
__________________
(١) جذيل حكاك : عبارة تقال لمن يستشفى برأيه. والعذيق : مصغر عذيق ، وهو اللبق الحاذق. والمرجّب : المعظّم. وورد فيما يعرف بحديث القيفة «أنا جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب». والبيت مأخوذ منه.
(٢) في ب : «العدبس».