كلّ مخلّى للذي يختاره |
|
في الأمن من ناه له أو زاجر (١) |
ما إن لهم شغل بفنّ واحد |
|
بل كلّ ما يجري بوفق الخاطر |
شدو ورقص واقتطاف فكاهة |
|
وتعانق وتغامز بنواظر |
وهم كما تدري بأفقي أنجم |
|
لكن لنا شوق لبدر زاهر |
سيدي ، لا زلت متقدّما لكل مكرمة! هل يجمل التخلّف عن ناد قام فيه السرور على ساق ، وضحك فيه الأنس بملء فيه ، وانسدل به ستر الصون ، وفاء عليه ظلّ النعيم ، وسفرت فيه وجوه الطرب ، وركضت خيل اللهو ، وثار قتام الند (٢) ، وهطلت سحاب ماء الورد ، وجليت الكؤوس (٣) ، كالعرائس على كراسي العروس ، المثقلة بالعاج والآبنوس ، وكأنّ قطع النهار ممتزجة بقطع الظلام ، أو بني حام قد خالطت بني سام وعلى رؤوس الأقداح ، تيجان نظمها امتزاج الماء بالراح (٤) ، فطورا تستحيي (٥) فيبدو خجلها ، وطورا تمتزج فيظهر وجلها ، والعود ترجمان المسرّة قد جعلته أمّه في حجرها ، كولد ترضعه بدرّها ، وساقي الشّرب كالغصن الرطيب ، أوراقه أردية الشرب ، وأزهاره الكؤوس ، التي لا تزال تطلع وتغرب كالشموس ، ساق يفهم بالإشارة ، حلو الشمائل عذب العبارة ، ذو طرف سقيم ، وخدّ كأنه من خفره لطيم ، ولدينا من أصناف الفواكه والأزاهر ، ما يحار فيه الناظر ، وهل تكمل لذة دون إحضار خدود الورد ، وعيون النرجس ، وأصداغ الآس ، ونهود السفرجل ، وقدود قصب السكر ، ومباسم قلوب الجوز ، وسرر التفاح ، ورضاب ابنة العنب؟ فقد اكتمل بهذه الأوصاف المختلسة من أوصاف الحبائب الطرب : [الطويل]
فطر بجناح الشوق عند وصولها |
|
إليك ولا تجعل سواك جوابها |
فلا عين إلّا وهي ترنو بطرفها |
|
إليك فيسّر في المطال حسابها |
فقد أصبحت تعلو عليها غشاوة |
|
لبعدك فاكشف عن سناها ضبابها |
قال أبو جعفر : فجعلت وصولي جواب ما نظم ونثر ، وألفيت الحالة يقصر عن خبرها
__________________
(١) مخلّى : متروك.
(٢) القتام : الغبار ، وهنا الدخان. والند : عود يتبخر به.
(٣) في ب ، ه : «وطيبت الكؤوس».
(٤) الراح : الخمر.
(٥) في ه : «يستحسن». وما أثبتناه من أ، ب ، ج وهو أفضل.