الخبر ، فانغمسنا في النعيم ، انغماس عرف الزهر في النسيم (١) ، ومرّ لنا يوم غضّ الدهر عنه جفنه ، حتى حسبناه عنوانا لما وعد الله تعالى به في الجنّة.
وشرب يوما مع أبي جعفر بن سعيد والكتندي الشاعر في جنة بزاوية غرناطة ، وفيها صهريج ماء قد أحدق به شجر نارنج وليمون وغير ذلك من الأشجار ، وعليه أنبوب ماء تتحرّك به صورة جارية راقصة بسيوف وطيفور رخام يصنع في أنبوبة الماء صورة خباء ، فقالوا : نقتسم (٢) هذه الأوصاف الثلاثة ، فقال أبو جعفر يصف الراقصة : [الطويل]
وراقصة ليست تحرّك دون أن |
|
يحرّكها سيف من الماء مصلت |
يدور بها كرها فتنضى صوارما |
|
عليه فلا تعيا ولا هو يبهت (٣) |
إذا هي دارت سرعة خلت أنها |
|
إلى كلّ وجه في الرياض تلفّت (٤) |
وقال ابن نزار في خباء الماء : [الطويل]
رأيت خباء الماء ترسل ماءها |
|
فنازعها هبّ الرياح رداءها |
تطاوعه طورا وتعصيه تارة |
|
كراقصة حلّت وضمّت قباءها |
وقد قابلت خير الأنام فلم تزل |
|
لديه من العلياء تبدي حياءها |
إذا أرسلت جودا أمام يمينه |
|
أبي العدل إلّا أن يردّ إباءها |
وقد قيل : إنّ هذه الأبيات صنعها بمحضر الأمير أبي عبد الله بن مردنيش ملك شرق الأندلس ، وإنه لمّا ألجأته الضرورة أن يرتجل في مثل ذلك شيئا ، وكانت هذه عنده معدّة ، فزعم أنه ارتجلها ، قال أبو عمر بن سعيد (٥) : وهذا هو الصحيح ، فإنه ما كانت عادته أن يخاطب عمي أبا جعفر بخير الأنام ؛ فإنّ كلّ واحد منهما كفؤ الآخر.
وقال الكتندي : [الوافر]
وصهريج تخال به لجينا |
|
يذاب وقد يذهّبه الأصيل (٦) |
كأنّ الروض يعشقه فمنه |
|
على أرجائه ظلّ ظليل |
__________________
(١) العرف ـ بفتح العين وسكون الراء ـ الرائحة الطيبة.
(٢) في ه : «نتقسّم».
(٣) لا تعيا : لا تتعب.
(٤) خلت : حسبت. وتلفّت : تتلفّت ، حذف إحدى التاءين.
(٥) في ب : «أبو عمرو بن سعيد».
(٦) اللجين : الفضة.