وأطرق كلّ منّا ما جاش به مدّ بحره ، وأنبأه به شيطان فكره ، فلم يكن إلّا كنقرة العصفور ، الخائف من الناطور (١) ، حتى كمل ما أردنا من غير أن يقف واحد منّا على ما صنعه الآخر ، فكان الذي قال : [الخفيف]
حبّذا ساعة العشيّة والدو |
|
لاب يهدي إلى النفوس المسرّه |
أدهم لا يزال يعدو ولكن |
|
ليس يعدو مكانه قدر ذرّه (٢) |
ذو عيون من القواديس تبكي |
|
كل عين من فائض الدمع ثرّه (٣) |
فلك دائر يرينا نجوما |
|
كل نجم يبدي لدينا المجرّه |
وكان الذي قلت : [الوافر]
ودولاب يئنّ أنين ثكلى |
|
ولا فقدا شكاه ولا مضرّه (٤) |
ترى الأزهار في ضحك إذا ما |
|
بكى بدموع عين منه ثرّه |
حكى فلكا تدور به نجوم |
|
تؤثّر في سرائرنا المسرّه |
يظلّ النجم يشرق بعد نجم |
|
ويغرب بعدما تجري المجرّه |
فعجبنا من اتفاقنا ، وقضى العجب منه سائر رفاقنا ، انتهى.
رجع : وكان لأبي محمد عبد الله بن شعبة الوادي آشي (٥) ابن شاعر ، فعرض عليه شعرا ، نظمه ، فأعجبه ، فقال : [السريع]
شعرك كالبستان في شكله |
|
يجمع بين الآس والورد |
فاصنع به إن كنت لي طائعا |
|
ما يصنع الفارس بالبند (٦) |
ولشاعر الأندلس أبي عبد الله بن الحداد الوادي آشي (٧) ، وهو من رجال الذخيرة : [الوافر]
__________________
(١) الناطور : حارس الزرع والبستان.
(٢) يعدو ، في صدر البيت : يسير سيرا سريعا. ويعدو في عجز البيت معناه يجاوز.
(٣) في ه : «تبدى كل عين من فائض الماء عبره». والثرة : الغزيرة.
(٤) أنّ يئنّ : تأوّه.
(٥) انظر الذخيرة ج ١ ص ٢٠١. والمغرب ج ٢ ص ١٤٣.
(٦) البند : العلم الكبير.
(٧) انظر الذخيرة ١ / ٢ : ٢٠١. والمغرب ج ٢ ص ١٤٣.