ومن حكايات الصبيان أن ابن أبي الخصال (١) ، وهو من شقورة ، اجتاز بأبدة وهو صبيّ صغير يطلب الأدب ، فأضافه بها القاضي ابن مالك ، ثم خرج معه إلى حديقة معروشة ، فقطف لهما منها عنقودا أسود ، فقال القاضي : [مجزوء الرجز]
انظر إليه في العصا
فقال ابن أبي الخصال :
كرأس زنجيّ عصى
فعلم أنه سيكون له شأن في البيان.
وحدّث أبو عبد الله بن زرقون (٢) أن أبا بكر ابن المنخل وأبا بكر الملاح الشّلبيين كانا متواخيين متصافيين ، وكان لهما ابنان صغيران قد برعا في الطلب ، وحازا قصب السبق في حلبة الأدب ، فتهاجى الابنان بأقذع الهجاء (٣) ، فركب ابن المنخل في سحر من الأسحار مع ابنه عبد الله ، فجعل يعتبه على هجاء بني الملاح ويقول له : قد قطعت ما بيني وبين صديقي وصفيي أبي بكر في إقذاعك في ابنه (٤) ، فقال له ابنه : إنه بدأني والبادي أظلم ، وإنما يجب أن يلحى (٥) من بالشرّ تقدم ، فعذره أبوه ، فبينما هما على ذلك إذ أقبلا على واد تنقّ فيه الضفادع (٦) ، فقال أبو جعفر لابنه : أجز : [الهزج]
تنقّ ضفادع الوادي
فقال ابنه :
بصوت غير معتاد
فقال الشيخ :
كأنّ نقيق مقولها
فقال ابنه :
بنو الملاح في النادي
__________________
(١) انظر الشريشي ج ١ ص ٣٦٤.
(٢) انظر زاد المسافر ص ٨٨.
(٣) في ب : «بأقذع هجاء».
(٤) الإقذاع : الهجاء الممض ، والسبّ.
(٥) يلحى : يلام.
(٦) تنق الضفادع : تصوت ، والنقيق : صوتها.