بسم الله الرّحمن الرّحيم
الباب السابع
في نبذة ممّا منّ الله تعالى به على أهل الأندلس من توقّد الأذهان ، وبذلهم في اكتساب المعارف والمعالي ما عزّ وهان (١) ، وحوزهم في ميدان البراعة ، من قصب اليراعة ، خصل الرهان ، وجملة من أجوبتهم ، الدالّة على لوذعيتهم ، وأوصافهم المؤذنة بألمعيتهم ، وغير ذلك من أحوالهم التي لها على فضلهم أوضح برهان.
اعلم أنّ فضل أهل الأندلس ظاهر ، كما أنّ حسن بلادهم باهر ، ولذلك ذكر ابن غالب في «فرحة الأنفس» لمّا أثنى على الأندلس وأهلها أن بطليموس جعل لهم ـ من أجل ولاية الزّهرة لبلادهم ـ حسن الهمّة في الملبس والمطعم ، والنظافة والطهارة ، والحب للهو والغناء ، وتوليد اللحون ، ومن أجل ولاية عطارد حسن التدبير ، والحرص على طلب العلم ، وحبّ الحكمة والفلسفة والعدل والإنصاف.
وذكر ابن غالب أيضا ما خصّوا به من تدبير المشتري والمريخ.
وانتقد عليه بعضهم بأنّ أقاليم الأندلس الرابع والخامس والسادس في ساحلها الشمالي ، والسابع في جزائر المجوس ، وللإقليم الرابع الشمس ، وللخامس الزّهرة ، وللسادس عطارد ، وللسابع القمر ، والمشتري للإقليم الثاني ، والمريخ للثالث ، ولا مدخل لهما في الأندلس ، انتهى.
ثم قال صاحب الفرحة : وأهل الأندلس عرب في الأنساب ، والعزّة ، والأنفة ، وعلوّ الهمم ، وفصاحة الألسن ، وطيب النفوس ، وإباء الضيم ، وقلّة احتمال الذلّ ، والسماحة بما في أيديهم ، والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنيّة ، هنديّون في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبّهم فيها وضبطهم لها وروايتهم ، بغداديون في نظافتهم وظرفهم (٢) ، ورقّة أخلاقهم ونباهتهم ، وذكائهم ، وحسن نظرهم ، وجودة قرائحهم ، ولطافة أذهانهم ، وحدّة أفكارهم ، ونفوذ خواطرهم ، يونانيون في استنباطهم للمياه ، ومعاناتهم لضروب الغراسات ، واختيارهم لأجناس الفواكه ،
__________________
(١) في ب : «ما عزّ أوهان».
(٢) في ب : «في ظرفهم ونظافتهم».