وحدّث أبو حيّان عن قاضي القضاة أبي بكر محمد بن أبي النصر (١) الفتح بن علي الأنصاري الإشبيلي بغرناطة أنّ إبراهيم بن سهل الشاعر الإشبيلي كان يهوديّا ثم أسلم ، ومدح رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بقصيدة طويلة بارعة ؛ قال أبو حيان : وقفت عليها ، وهي من أبدع ما نظم في معناها ، وكان سنّ ابن سهل حين غرق نحو الأربعين سنة ، وذلك سنة تسع وأربعين وستمائة ، وقيل : إنه جاوز الأربعين ، وكان يقرأ مع المسلمين ويخالطهم ، وما أحسن قوله: [الطويل]
مضى الوصل إلّا منية تبعث الأسى |
|
أداري بها همّي إذا الليل عسعسا (٢) |
أتاني حديث الوصل زورا على النوى |
|
أعد ذلك الزور اللذيذ المؤنسا |
ويا أيها الشوق الذي جاء زائرا |
|
أصبت الأماني خذ قلوبا وأنفسا |
كساني موسى من سقام جفونه |
|
رداء وسقّاني من الحبّ أكؤسا (٣) |
ومن أشهر موشّحاته قوله :
ليل الهوى يقظان |
|
والحبّ ترب السّهر (٤) |
والصبر لي خوّان |
|
والنوم عن عيني بري |
وقد عارضه غير واحد فما شقّوا له غبارا.
وأما إبراهيم بن الفخار اليهودي (٥) فكان قد تمكّن عند الأذفونش ملك طليطلة النصراني ، وصيّره سفيرا بينه وبين ملوك المغرب ، وكان عارفا بالمنطق والشعر ؛ قال ابن سعيد : أنشدني لنفسه أديبا مسلما كان يعرفه قبل أن تعلو رتبته ويسفر بين الملوك ، ولم يزده على ما كان يعامله به من الإذلال ، فضاق ذرع ابن الفخار وكتب إليه : [الطويل]
أيا جاعلا أمرين شبهين ما له |
|
من العقل إحساس به يتفقّد |
جعلت الغنى والفقر والذلّ والعلا |
|
سواء فما تنفكّ تشقى وتجهد |
وهل يستوي في الأرض نجد وتلعة |
|
فتطلب تسهيلا وسيرك مصعد (٦) |
وما كنت ذا ميز لمن كنت طالبا |
|
بما كنت في حال الفراغ تعوّد |
__________________
(١) في ب ، ه : «أبي بكر بن أبي نصر ..».
(٢) عسعس الليل : أظلم.
(٣) التشديد في «سقّاني» يدل على التكثير.
(٤) الترب : المماثل في السن ، وجمعه أتراب ، للمذكر والمؤنث.
(٥) انظر المغرب ج ص ٢٣.
(٦) التلعة : هنا ما انخفض من الأرض.