وقد حال ما بيني وبينك شاغل |
|
فلا تطلبنّي بالذي كنت تعهد |
فإن كنت تأبى غير إقدام جاهل |
|
فإنك لا تنفكّ تلحى وتطرد (١) |
ألا فأت في أبوابه كلّ مسلك |
|
ولا تك محلا حيثما قمت تقعد (٢) |
قال ابن سعيد : وأنشدني لنفسه : [الطويل]
ولمّا دجا ليل العذار بخدّه |
|
تيقّنت أنّ الليل أخفى وأستر (٣) |
وأصبح عذّالي يقولون صاحب |
|
فأخلو به جهرا ولا أتستّر |
وقال يمدح الأذفونش لعنهما الله تعالى : [المديد]
حضرة الأذفنش لا برحت |
|
غادة أيامها عرس (٤) |
فاخلع النّعلين تكرمة |
|
في ثراها إنها قدس |
قال : وأدخلوني إلى بستان الخليفة المستنصر ، فوجدته في غاية الحسن كأنه الجنّة ، ورأيت على بابه بوّابا في غاية القبح ، فلمّا سألني الوزير عن حال فرجتي قلت : رأيت الجنّة إلّا أني سمعت أنّ الجنّة يكون على بابها رضوان ، وهذه على بابها مالك ، فضحك وأخبر الخليفة بما جرى ، فقال له : قل له إنّا قصدنا ذلك ، فلو كان رضوان عليها بوّابا لخشينا أن يردّه عنها ، ويقول له : ليس هذا موضعك ، ولمّا كان هناك مالك أدخله فيها ، وهو لا يدري ما وراءه ، ويخيّل أنها جهنّم ، قال: فلمّا أعلمني الوزير بذلك قلت له : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٢٤].
وكان في زمان إلياس بن المدور اليهودي (٥) الطبيب الرّندي طبيب آخر كان يجري بينهما من المحاسدة ما يجري بين مشتركين في صنعة ، فأصلح الناس بينهما مرارا ، وظهر لإلياس من ذلك الرجل الطبيب ما ينفّر الناس منه فكتب إليه : [الكامل]
لا تخدعنّ فما تكون مودّة |
|
ما بين مشتركين أمرا واحدا |
انظر إلى القمرين حين تشاركا |
|
بسناهما كان التلاقي واحدا |
يعني أنهما معا لما اشتركا في الضياء وجب التحاسد بينهما والتفرقة : هذا يطلع ليلا وهذه تطلع نهارا ، واعتراضهما يوجب الكسوف.
__________________
(١) تلحى : تلام.
(٢) في أ : «ولا تك فحلا».
(٣) دجا الليل : أظلم.
(٤) في ب : «غضة أيامها عرس».
(٥) انظر المغرب ج ١ ص ٣٣٦.