قال أبو عمران بن سعيد : دخلت عليه وهو مسجون بدار الأشراف بإشبيلية ، وقد بقي عليه من مال السلطان اثنا عشر ألف دينار قد أفسدها في لذّات نفسه ، فلمّا لمحني أقبل يضحك ويشتغل بالنادر والحكايات الظريفة (١) ، فقلت له : قالوا : إنك أفسدت للسلطان اثني عشر ألف دينار ، وما أحسبك إلّا زدت على هذا العدد لما أراك فيه من المسرّة والاستبشار ، فزاد ضحكا ، وقال : يا أبا عمران ، أتراني إذا لزمت الهمّ والفكر يرجع عليّ ذلك العدد الذي أفسدت؟ ثم فكر ساعة وأنشدني : [الخفيف]
ليس عندي من الهموم حديث |
|
كلما ساءني الزمان سررت |
أتراني أكون للدهر عونا |
|
فإذا مسّني بضرّ ضجرت (٢) |
غمرة ثم تنجلي فكأني |
|
عند إقلاع همّها ما ضررت |
وقال النحوي اللغوي أبو عيسى لب بن عبد الوارث القلعي (٣) : [الطويل]
بدا ألف التعريف في طرس خدّه |
|
فيا هل تراه بعد ذاك ينكّر (٤) |
وقد كان كافورا فهل أنا تارك |
|
له عند ما حيّاه مسك وعنبر |
وما خير روض لا يرفّ نباته |
|
وهل أفتن الأثواب إلّا المشهّر (٥) |
وقال : [الوافر]
أبى لي أن أقول الشعر أني |
|
أحاول أن يفوق السحر شعري |
وأن يصغي إليه كلّ سمع |
|
ويعلق ذكره في كلّ صدر |
قال الحجاري : أخبرني أنه أحبّ أحد أولاد الأعيان ممّن كان يقرأ عليه ، فلمّا خلا به شكا إليه ما يجده ، فقال له : الصبيان يفطنون بنا ، فإذا أردت أن تقول شيئا فاكتبه لي في ورقة ، قال : فلمّا سمعت ذلك منه تمكّن الطمع منّي فيه ، وكتبت له : [الكامل]
__________________
(١) في ب : «الطريفة».
(٢) ضجرت : يئست.
(٣) هو لب بن عبد الوارث أبو عيسى اليحصبي النحوي ، من أهل المائة السابعة. نظر في الفقه ثم مال إلى العربية فبلغ منها إلى غاية.
بغية الوعاة ج ٢ ص ٢٦٩.
(٤) الطرس : الصحيفة ، وفيها استعارة.
(٥) أفتن : اسم تفضيل من الفتنة.