إليه الآمال بغير خطام ، ووردت من نداه ببحر طام ، ولم يزل بالدولة قائما ، وموقظا من بهجتها ما كان نائما ، إلى أن صار الأمر إلى المأمون بن ذي النون أسد الحروب ، ومسدّ الثغور والدروب ، فاعتمد عليه واتّكل ، ووكل الأمر إلى غير وكل ، فما تعدّى الوزارة إلى الرياسة ، ولا تردّى بغير التدبير والسياسة ، فتركه مستبدا ، ولم يجد من ذلك بدا.
وكان أبو بكر هذا ذا رفعة غير متضائلة ، وآراء لم تكن آفلة ، أدرك بها ما أحبّ ، وقطع غارب كل منافس وجبّ (١) ، إلى أن طلّحه العمر وأنضاه (٢) ، وأغمده الذي انتضاه ، فخلّى الأمر إلى ابنيه ، فتلبّدا في التدبير ، ولم يفرقا بين القبيل والدّبير ، فغلب عليهما القادر بن ذي النون ، وجلب إليهما كل خطب ما خلا المنون ، فانجلوا ، بعد ما ألقوا ما عندهم وتخلّوا ، وكان لأبي عبد الله نظم مستبدع ، يوضع بين الجوانح ويودع ، انتهى المقصود من الترجمة.
وكان للوزير أبي الفرج ابن مكبود (٣) قد أعياه علاجه ، وتهيّأ للفساد مزاجه ، فدلّ على خمر قديمة ، فلم يعلم بها إلّا عند حكم ، وكان وسيما ، وللحسن قسيما ، فكتب إليه : [المجتث]
أرسل بها مثل ودّك |
|
أرقّ من ماء خدّك |
شقيقة النّفس فانضح |
|
بها جوى ابني وعبدك |
وكتب رحمه الله تعالى معتذرا (٤) ، عما جناه منذرا : [الخفيف]
ما تغيّبت عنك إلّا لعذر |
|
ودليلي في ذاك حرصي عليكا |
هبك أنّ الفرار من عظم ذنب |
|
أتراه يكون إلّا إليكا (٥) |
وقال في المطمح في حقّ أبي الفرج : من ثنيّة (٦) رياسة ، وعترة نفاسة ، ما منهم إلّا من تحلّى بالإمارة ، وتردّى بالوزارة ، وأضاء (٧) في آفاق الدول ، ونهض بين الخيل والخول ، وهو
__________________
(١) جبّ : قطع.
(٢) طلّحه العمر : أتعبه. وأنضاه : أضعفه وأهزله وأتعبه.
(٣) مكبود : مصاب بمرض في كبده.
(٤) في ه : «معذرا».
(٥) في ج : «هبك أن الفرار من غريب ذنب».
(٦) في ه : «من نبتة» وفي المطمح «بيتة».
(٧) في ه : «وأومض».