يخوض إلى المجد والمكرمات |
|
بحار الخطوب وأهوالها |
وإن ذكرت للعلا غاية |
|
ترقّى إليها وأهوى لها |
وقال في المطمح فيه (١) : فقيه مستنبط ، ونبيه بقياسه مرتبط ، ما تكلّم تقليدا ، ولا عدا اختراعا (٢) وتوليدا ، ما تمنّت به الأندلس أن تكون كالعراق ، ولا حنّت الأنفس معه إلى تلك الآفاق ، أقام بوطنه ، وما برح عن عطفه (٣) ، فلم يشرب ماء الفرات ، ولم يقف عيشة الثمرات (٤) ، ولكنه أربى على من من ذلك غذي ، وأزرى على من هنالك نعل وحذي ، تفرّد بالقياس ، واقتبس نار المعارف أيّ اقتباس ، فناظر بها أهل فاس ، وصنّف وحبّر حتى أفنى الأنقاس (٥) ، ونابذ الدنيا ، وقد تصدّت له بأفتن محيّا ، وأهدت إليه أعبق عرف وريّا ، وخلع الوزارة وقد كسته ملاها ، وألبسته حلاها ، وتجرّد للعلم وطلبه ، وجدّ في اقتناء نخبه ، وله تآليف كثيرة ، وتصانيف أثيرة ، منها «الإيصال ، إلى فهم كتاب الخصال» وكتاب «الإحكام ، لأصول الأحكام» وكتاب «الفصل (٦) في الأهواء والملل والنّحل» وكتاب «مراتب العلوم» وغير ذلك ممّا لم يظهر مثله من هنالك ، مع سرعة الحفظ ، وعفاف اللسان واللحظ ، وفيه يقول خلف بن هارون : [المتقارب]
يخوض إلى المجد والمكرمات
ولابن حزم في الأدب سبق لا ينكر ، وبديهة لا يعلم أنه روّى فيها ولا فكّر ، وقد أثبتّ من شعره ما يعلم أنه أوحد ، وما مثله فيه أحد ، ثم ذكر جملة من نظمه ذكرناها في غير هذا الموضع.
وكتب أبو عبد الله بن مسرة (٧) إلى أبي بكر اللؤلؤي يستدعيه في يوم طين ومطر ، لقضاء أرب من الأنس ووطر : [الرجز]
أقبل فإنّ اليوم يوم دجن |
|
إلى مكان كالضمير مكني (٨) |
__________________
(١) انظر المطمح ص ٥٥ ـ ٥٦.
(٢) في ه ، وفي المطمح : «ولا تعدى اختراعا».
(٣) في ب : «عن عطنه».
(٤) لعله «عيشة المسرات». أو «عشية المسرات» أو «عشية السمرات».
(٥) الأنقاس : جمع نقس ، وهو الحبر.
(٦) في ج ، ه : «القصد في الملل والنحل» محرفا. والكتاب مطبوع.
(٧) انظر المطمح ص ٥٨.
(٨) يوم دجن : يوم غيم كثيف ومطر غزير.