لعلّنا نحكم أشهى فنّ |
|
فأنت في ذا اليوم أمشى منّي |
وقال في المطمح : إنّ ابن مسرّة كان على طريق من الزهد والعبادة سبق فيها ، وانتسق في سلك مقتفيها ، وكانت له إشارات غامضة ، وعبارة عن منازل الملحدين غير داحضة ، ووجدت له مقالات ردية ، واستنباطات مردية ، نسب بها إليه رهق (١) ، وظهر له فيها مزحل عن الرشد ومزهق ، فتتبّعت مصنّفاته بالحرق ، واتّسع في استباحتها الخرق ، وغدت مهجورة ، على التالين محجورة ، وكان له تنميق في البلاغة وتدقيق لمعانيها ، وتزويق لأغراضها وتشييد لمبانيها ، انتهى. وهو من نمط الصوفية الذين تكلّم فيهم ، والتسليم أسلم ، والله تعالى بأمرهم أعلم.
ومن حكايات أهل الأندلس في الانقباض عن السلطان ، والفرار من المناصب ، مع العذر اللطيف : ما حكاه في المطمح في ترجمة الفقيه أبي عبد الله الخشني (٢) إذ قال : كان فصيح اللسان ، جزيل البيان ، وكان أنوفا منقبضا عن السلطان ، لم يتشبّث بدنيا ، ولم ينكث له مبرم عليا ، دعاه الأمير محمد إلى القضاء فلم يجب ، ولم يظهر رجاءه المحتجب ، وقال : أبيت عن إمامة هذه الديانة (٣) ، كما أبت السماوات والأرض عن حمل الأمانة ، إباية إشفاق ، لا إباية عصيان ونفاق ، وكان الأمير قد أمر الوزراء بإجباره ، أو حمل السيف إن تمادى على تأبّيه وإصراره ، فلمّا بلغه قوله هذا أعفاه ، قال : وكان الغالب عليه علم النسب ، واللغة والأدب ، ورواية الحديث ، وكان مأمونا ثقة ، وكانت القلوب على حبّه متّفقة ، وله رحلة دخل فيها العراق ، ثم عاد إلى هذه الآفاق ، وعندما اطمأنّت داره ، وبلغ أقصى مناه مداره ، قال : [الطويل]
كأن لم يكن بين ولم تك فرقة
الأبيات ، انتهى.
وهذه الأبيات قدّمناها في الباب الخامس في ترجمة القاضي ابن أبي عيسى.
فأنت ترى كلام الفتح قد اضطرب في نسبتها ، فمرة نسبها إلى هذا ، ومرة نسبها إلى ذاك ، وهي قطعة عرفها ذاك (٤).
ومن دعابات أهل الأندلس وملحهم : ما يحكى عن ابن أبي حلّى (٥) ، وهو علي ابن أبي
__________________
(١) الرهق : التهمة ، والخطيئة ، والجهل.
(٢) انظر المطمح ص ٥٦ ـ ٥٧.
(٣) في ب ، ه : «أبيت عن أمانة هذه الديانة».
(٤) العرف : الرائحة الطيبة ، وذاك : عطر.
(٥) في ج : «عن ابن أبي الحلى».