حلّى المكناسي (١) أبو الحسن ، قال لسان الدين : كان شيخا مليح الحديث ، حافظا للمسائل الفقهية ، قائما على المدوّنة (٢) ، مضطلعا بمشكلاتها ، كثير الحكايات ، يحكي أنه شاهد غرائب وملحا (٣) فينمقها عليه بعض الطلبة ، ويتعدون ذلك إلى الافتعال والمداعبة ، حتى جمعوا من ذلك جزءا سمّوه «السالك والمحلّى ، في أخبار ابن أبي حلّى» فمن ذلك أنه كانت له هرة فدخل البيت يوما فوجدها قد بلت إحدى يديها وجعلتها في الدقيق حتى علق بها ونصبتها بإزاء كوّة فأر ورفعت اليد الأخرى لصيده ، فناداها باسمها ، فزوت (٤) رأسها ، وجعلت إصبعها على فمها ، على هيئة المشير بالصمت ، وأشباه ذلك ، وتوفي المذكور سنة ٤٠٦ ، قاله في الإحاطة.
ومن أجوبة ملوك الأندلس : أنّ نزارا العبيدي صاحب مصر ، كتب إلى المرواني صاحب الأندلس كتابا يسبّه فيه ويهجوه ، فكتب إليه المرواني : أمّا بعد ، فإنك عرفتنا فهجوتنا ، ولو عرفناك لأجبناك ، والسلام ، فاشتدّ ذلك على نزار وأفحمه عن الجواب ، وحكي أنه كتب إلى العبيدي ملك مصر مفتخرا : [الطويل]
ألسنا بني مروان كيف تبدّلت |
|
بنا الحال أو دارت علينا الدوائر |
إذا ولد المولود منّا تهلّلت |
|
له الأرض واهتزّت إليه المنابر |
ومن غريب ما يحكى من قوة أهل الأندلس وشجاعتهم : أنّ الأمير حريز بن عكاشة (٥) من ذرّيّة عكاشة بن محصن صاحب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لمّا نزل بساحة أذفونش ملك [ملوك] الروم ، فبدأهم بخراب ضياعها (٦) وقطع الشجر ، فكتب إليه حريز : ليس من أخلاق القدير ، الفساد والتدمير ، فإن قدرت على البلاد أفسدت ملكك ، ولو كان الملك في عشرة أمثال عددي لم ينزل لي بساحة ، ولا تمكن منها براحة ، فلمّا وصلته الرسالة عفّ ، وأمر بالكفّ ، وبعث الملك يرغبه في الاجتماع به ، فاسترهنه في نفسه عدة من ملوك الروم ، فأجاب إلى ما ارتهن ، ولمّا ساروا إلى المدينة (٧) البيضاء ـ وهي قلعة رباح غربي طليطلة ـ خرج حريز لابسا لأمة حربه (٨) ، يرمق الروم منه شخصا أوتي بسطة في الجسم والبسالة يتحدثون بآلات حربه ، ويتعجّبون من شجاعة قلبه (٩). ولمّا وصل فسطاط الملك تلقته الملوك بالرحب والسعة ، ولمّا أراد النزول عن فرسه ركز رمحه ، فأبصر الملك منه هيئة تشهد له بما عنه حدّث ، وهيبة يجزع
__________________
(١) في ج : «الكناني».
(٢) في ج : «قائما على الدولة».
(٣) في ب ، ه : «شاهد غرائب تملحا».
(٤) في ب ، ه : «فردت رأسها».
(٥) انظر الحلّة ج ١٢ ص ١٧٦.
(٦) في ه : «غراب ضياعهم».
(٧) في ب ، ه : «ولما صاروا بالمدينة ـ الخ».
(٨) لأمة الحرب : الدرع.
(٩) انظر المطمح ص ٣٠.