يا أبا محمد ، تقدّم ، فقال : معاذ الله أن أسيء الأدب بالتقدّم على أميري ، فقال : فإن كان كذلك فتأخّر مع الخيل ، فقال : مثلي لا يزال على (١) ركابك في مثل هذه المواضع ، فقال له : فقد والله أهلكتني بما ترمي يدا فرسك عليّ من الطين ، فقال : أعزّ الله الأمير (٢)! فو الله ما علمت أنّ يد فرسي تصل إلى عنقك ، فضحك ابن عكاشة حتى كاد يسقط عن مركوبه.
وكان بسرقسطة غلام اسمه يحيى بن يطفت من بني يفرن ، قد نشأ عند ملكها المقتدر بن هود ، وتخلّق بالركوب والأدب ، وكان في غاية الجمال والحلاوة والظّرف فعلق بقلب ابن هود ، وكتم حبّه زمانا فلم ينكتم ، فكتب له : [المجتث]
يا ظبي ، بالله قل لي |
|
متى ترى في حبالي |
يمرّ عمري وحالي |
|
من خيبتي منك خالي (٣) |
فكتب له الغلام في ظهر الرقعة : [المجتث]
إن كنت ظبيا فأنت ال |
|
هزبر تبغي اغتيالي |
وليس يخطر يوما |
|
حلول غيل ببالي (٤) |
ثم كتب بعدهما : هذا ما اقتضاه حكم الجواب في النظم ، وأنا بعد قد جعلت رسني بيد سيدي ، فعسى أن يقودني إلى ما أحبّ ، لا ما أكره ، والذي أحبّه أن يكون بيننا من المحبة ما يقضي بدوام الإخلاص ، ونأمن في مغبّته من العار والقصاص ، فتركه مدة ، ثم كتب له يوما على الصورة التي ذكرها : [الكامل]
ما ذا ترى في يوم أمن طرّزت |
|
حلل السّحاب به البروق المذهبه |
وأنا وكاسي لا جليس غيره |
|
ملآن لا يخلو إلى أن تشربه |
والأنس إن يسّرته متيسّر |
|
ومتى تصعّبه فيا ما أصعبه |
فأجابه : [الكامل]
يا مالكا بذّ الملوك بعلمه |
|
وخلاله وعلوّه في المرتبه (٥) |
وافى نداك فحرت عند جوابه |
|
إذ ما تضمّن ريبة مستغربه |
إنّا إذا نخلو ، تقوّل حاسد |
|
وغدا بهذا الأمر ينصر مذهبه |
__________________
(١) في ب ، ه : «لا يزال عن ركابك».
(٢) في ب ، ه : «أعز الله الأمير ، يعذرني».
(٣) في ب : «في خيبتي منك خالي».
(٤) الغيل : موضع الأسد.
(٥) بذّ : تفوق وغلب.