وقال مؤلف كتاب «واجب الأدب» : مما يجب حفظه من مخترعات الأندلسيين قول ابن عبد ربه (١) : [الكامل]
يا ذا الذي خطّ العذار بخدّه |
|
خطّين هاجا لوعة وبلابلا |
ما كنت أقطع أنّ لحظك صارم |
|
حتى حملت من العذار حمائلا |
وحكي أنّ الوزير أبا الوليد بن زيدون (٢) توفيت ابنته ، وبعد الفراغ من دفنها وقف للناس عند منصرفهم من الجنازة ليتشكّر لهم ، فقيل : إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة قالها لأحد ، قال الصّفدي : وهذا من التوسّع في العبارة ، والقدرة على التفنّن في أساليب الكلام ، وهو أمر صعب إلى الغاية ، وأرى أنه أشقّ ممّا يحكى عن واصل بن عطاء أنه ما سمعت منه كلمة فيها راء ؛ لأنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة قبيحة ، والسبب في تهوين هذا الأمر وعدم تهويله أنّ واصل بن عطاء كان يعدل إلى ما يرادف تلك الكلمة ممّا ليس فيه راء ، وهذا كثير في كلام العرب ، فإذا أراد العدول (٣) عن لفظ فرس قال جواد أو ساع أو صافن ، أو العدول عن رمح قال قناة أو صعدة أو يزني أو غير ذلك ، أو العدول عن لفظ صارم قال حسام أو لهذم أو غير ذلك ، وأمّا ابن زيدون فأقول في حقّه إنه أقلّ مما كان في تلك الجنازة ، وهو وزير ، ألف رئيس ممّن يتعيّن عليه أن يتشكّر له ، ويضطر إلى ذلك ، فيحتاج في هذا المقام إلى ألف عبارة مضمونها الشكر (٤) ، وهذا كثير إلى الغاية ، لا سيما من محزون ، فقد قطعة من كبده : [الطويل]
ولكنه صوب العقول إذا انبرت |
|
سحائب منه أعقبت بسحائب |
وقد استعمل الحريري هذا في مقاماته عندما يذكر طلوع الفجر ، وهو من القدرة على الكلام ، وأرى الخطيب بن نباتة ممن لا يلحق في هذا الباب ، فإنه أملى مجلدة معناها من أوّلها إلى آخرها «يا أيها الناس اتّقوا الله واحذروه فإنكم إليه راجعون» ، وهذا أمر بارع معجز ، والناس يذهلون عن هذه النكتة فيه ، انتهى كلام الصّفدي ملخّصا.
وقال في الوافي ، بعد ذكره جملة من أحوال ابن زيدون ما نصّه : وقال بعض الأدباء : من
__________________
(١) انظر المطمح ص ٥٢.
(٢) انظر الذخيرة ١ / ١ : ٢٠٠.
(٣) ومن ذلك قوله في بشار بن برد : «أما لهذا الزنديق الملقب أبا معاذ من يقتص منه؟ أما والله لو لا أن الغيلة من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه .. إلخ».
(٤) في ه : «مضمونها التشكّر».