لا يرام ، قد نصب خيامه بالبراح ، ولم يتّخذ سورا غير سمر القنا وبيض الصّفاح ، له من العزم ردء ومن الحزم كمين (١) : [الوافر]
إذا صدق الحسام ومنتضيه |
|
فكلّ قرارة حصن حصين (٢) |
وهو من القوم الذين لا يجورون على جار ، ولا يرحلون بخزية ولا يتركون من عار ، دينهم دين التقوى ، وإن كنت من ذلك في شكّ فأقدم علينا حتى يصحّ لك اختبار الذهب بالسّبك ، وأنت بالخيار في الظعن والإقامة ، فإن حللت نزلت خير منزل ، وإن رحلت ودّعت أفضل وداع ، وسرت في كنف السلامة ، إذ قد شهرنا بأنّا لا نقيّد إلّا بالإحسان ، وأن ندع لاختياره كل إنسان.
ومن حكايات أهل الأندلس في الجود والفضل ومكارم الأخلاق (٣) : أنّ أبا العرب الصقلي حضر مجلس المعتمد بن عباد ، فأدخلت عليه جملة من دنانير السّكّة ، فيمر له بخريطتين منها ، وبين يديه تصاوير عنبر من جملتها صورة جمل مرصّع بنفيس الدّرّ ، فقال أبو العرب : ما يحمل هذه الدنانير إلّا جمل ، فتبسّم المعتمد وأمر له به ، فقال : [البسيط]
أعطيتني جملا جونا شفعت به |
|
حملا من الفضّة البيضاء لو حملا (٤) |
نتاج جودك في أعطان مكرمة |
|
لا قدّ تعرف من منع ولا عقلا (٥) |
فاعجب لشأني فشأني كلّه عجب |
|
رفّهتني فحملت الحمل والجملا |
ومن نظم أبي العرب المذكور : [الطويل]
إلام اتّباعي للأماني الكواذب |
|
وهذا طريق المجد بادي المذاهب |
أهمّ ولي عزمان : عزم مشرّق |
|
وآخر يثني همّتي للمغارب |
ولا بدّ لي أن أسأل العيس حاجة |
|
تشقّ على أخفافها والغوارب (٦) |
إذا كان أصلي من تراب فكلّها |
|
بلادي وكلّ العالمين أقاربي |
وذكر الحافظ الحجاري في «المسهب» أنه سأل عمّه أبا محمد عبد الله بن إبراهيم (٧) عن
__________________
(١) في ب : «له من العزم ردء ، ومن الرأي كمين». وفي ه : «له من الحزم رداء ، ومن الرأي كمين».
(٢) منتضيه : اسم فاعل من انتضى. وانتضى السيف : أخرجه من غمده.
(٣) انظر بدائع البداءة ج ٢ ص ١٣٦.
(٤) في البدائع «أجديتني جملا».
(٥) في ج : «لا قد تصرّف من منع ولا عقلا».
(٦) العيس : النوق.
(٧) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ٣٤.