أفضل من لقي من أجواد تلك الحلبة ، فقال : يا ابن أخي ، لم يقدر أن يقضى لي الاصطحاب (١) بهم ، في شباب أمرهم ، وعنفوان رغبتهم في المكارم ، ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم ، وساءت بتغير الأحوال ظنونهم ، وملّوا الشكر ، وضجروا من المروءة ، وشغلتهم المحن والفتن ، فلم يبق فيهم فضل للإفضال وكانوا كما قال أبو الطيب : [البسيط]
أتى الزمان بنوه في شبيبته |
|
فسرّهم وأتيناه على الهرم |
فإن يكن أتاه على الهرم فإنّا أتيناه وهو في سياق الموت ، ثم قال : ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ! كان يحمّل نفسه ما لا يحمله الزمان ، ويبسم في موضع القطوب ، ويظهر الرضا في حال الغضب ، ويجهد ألّا ينصرف عنه أحد غير راض ، فإن لم يستطع الفعل عوّض عنه القول.
قلت له : فالمعتمد بن عباد كيف رأيته؟ فقال : قصدته وهو مع أمير المؤمنين (٢) يوسف بن تاشفين في غزوته للنصارى المشهورة ، فرفعت له قصيدة منها : [البسيط]
لا روّع الله سربا في رحابهم |
|
وإن رموني بترويع وإبعاد (٣) |
ولا سقاهم على ما كان من عطش |
|
إلّا ببعض ندى كفّ ابن عباد |
ذي المكرمات التي ما زلت تسمعها |
|
أنس المقيم وفي الأسفار كالزاد |
يا ليت شعري ما ذا يرتضيه لمن |
|
ناداه يا موئلي في جحفل النادي |
فلما انتهيت إلى هذا البيت قال : أما أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ، ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان ، وأمر خادما له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن ، فإني انصرفت به إلى المرية ، وكان يعجبني سكناها والتجارة بها ، لكونها مينا لمراكب التجار من مسلم وكافر ، فتجرت فيها فكان إبقاء ماء وجهي على يديه ، رحمة الله تعالى عليه! ثم أخذ البطاقة وجعل يجيل النظر والفكر في القصيدة ، وأنا مترقّب لنقده ، لكونه في هذا الشأن من أئمته ، وكثيرا ما كان الشعراء يتحامونه لذلك إلّا من عرف من نفسه التبريز ، ووثق بها ، إلى أن انتهى إلى قولي : [البسيط]
ولا سقاهم على ما كان من عطش |
|
إلّا ببعض ندى كفّ ابن عبّاد |
__________________
(١) في ب ، ه : «الاستمطار لهم».
(٢) في ب ، ه : «أمير المسلمين».
(٣) في ه : «لا روح الله سربا» محرفا. والصواب ما أثبتناه من أ، ب.