كالأجرب يعدي غيره ، وإنّ هذا الرجل (١) قصدنا قبل ، فكان منّا له ما أنس به وحمله على العودة ، وقد ظنّ فينا خيرا ، فلا نخيب ظنّه ، والحديث أبدا يحفظ القديم ، وقد جاءنا على جهة التهنئة بالعمر ، ونحن نسأل الله تعالى أن يطيل عمرنا حتى يكثر ترداده ، ويديم نعمنا حتى نجد ما ننعم به عليه ، ويحفظ علينا مروءتنا حتى يعيننا على التجمل معه ، ولا يبلينا بجليس مثلك يقبض أيدينا عن إسداء الأيادي (٢) ، وأمر الشاعر بما كان أمر له به قبل ، وأوصاه بالعود عند حلول ذلك الأوان ما دام العمر.
وقال أخوهم الخامس الأمير محمد بن الأمير عبد الرحمن (٣) لأخيهم السادس أبان وقد خلا معه على راحة : هل لك أمل نبلغك إياه؟ فقال : لم يبق لي أمل إلّا أن يديم الله تعالى عمرك ويخلد ملكك ، فأعجب ذلك الأمير ، وقال : ما مالت إليك نفسي من باطل ، وكان كل واحد منهما يهيم بالآخر ، وفي ذلك يقول أبان : [البسيط]
يا من يلوم ولا يدري بمن أنا مف |
|
تون لو ابصرته ما كنت تلحاني (٤) |
من مازجت روحه روحي وشاطرني |
|
يا حسنه حين أهواه ويهواني |
وكان للأمير محمد بن الأمير عبد الرحمن ثلاثة أولاد نجباء : القاسم ، والمطرف ، ومسلمة ، ولهم أخ رابع اسمه عثمان.
فمن نظم القاسم (٥) في عثمان أخيه ، وقد زاره فاستسقاه ماء ، فأبطأ عليه غلامه لعلّة لم يقبلها القاسم : [البسيط]
الماء في دار عثمان له ثمن |
|
والخبز شيء له شأن من الشّان |
فاسلح على كل عثمان مررت به |
|
غير الخليفة عثمان بن عفان |
وله : [مخلع البسيط]
شغلت بالكيمياء دهري |
|
فلم أفد غير كلّ خسر |
إتعاب فكر ، خداع عقل |
|
فساد مال ، ضياع عمر |
__________________
(١) في ه : «وإن هذا رجل قصدنا ...».
(٢) إسداء الأيادي : إعطاء المعروف ، الإحسان.
(٣) انظر ترجمته في الحلة ج ١ ص ١١٩.
(٤) يلحاني : يلومني.
(٥) انظر الحلة ج ١ ص ١٢٧.