أتاك تفسيري ولمّا يحل |
|
منّي على أضغاث أحلام (١) |
اجعله رسما دائما زائرا |
|
مني ومنك غرّة العام (٢) |
وبعث إليه بهذين البيتين مع ملء الطبق دنانير ودراهم ، فقال ابن فرج : [الخفيف]
قد سمعنا بجود كعب وحاتم |
|
ما سمعنا جودا مدى العمر لازم (٣) |
فدعائي بأن تدوم دعاء |
|
لي ما زال طول ما عشت دائم |
ما سمعنا كمثل هذا اختراعا |
|
هكذا هكذا تكون المكارم |
تشبه هذه الحكاية حكاية اتّفقت لبعض ملوك إفريقية ، وذلك أنّ رجلا أهدى لي في قادوس وردا أحمر وأبيض ، فأمر أن يملأ له دراهم ، فقالت له جارية من جواريه : إن رأى الأمير أن يلوّن ما أعطاه ، حتى يوافق ما أهداه ، فاستحسن ذلك الأمير ، وأمر أن يملأ دنانير ودراهم.
وكان المرواني المذكور يساير أحد الفقهاء الظرفاء ، فمرّا بجميل ، فمال عبد الله بطرفه إلى وجهه (٤) ، وظهر ذلك لمسايره ، فتبسّم ، ففهم عبد الله تبسمه (٥) ، فقال : إنّ هذه الوجوه الحسان خلّابة ، ولكنّا لا نتغلغل في نظرها ، ولا ندّعي العفّة عنها بالجملة ، وفيها اعتبار وتذكار بالحور العين التي وعد الله تعالى ، فقال له الفقيه : احتجّ لروحك بما شئت ، فقال : أو ما هي حجّة تقبل؟ فقال الفقيه : يقبلها من رقّ طبعه ، وكاد يضيق عن الصبر وسعه ، فقال : وأراك شريكا لي ، فقال : ولو لا ذلك للمتك ، فأطرق عبد الله ساعة ثم أنشد : [المنسرح]
أفدي الذي مرّ بي فمال له |
|
لحظي ولكن ثنيته غصبا |
ما ذاك إلّا مخاف منتقد |
|
فالله يعفو ويغفر الذّنبا |
فقال له الفقيه : إن كنت ثنيت لحظك خوف انتقادي فإني أدعوه إليك حتى تملأ منه ، ولا تنسب إليّ ما نسبت ، فتبسّم عبد الله وقال : ولا هذا كلّه ، وقال له : إنّ مثلك في الفقهاء لمعدوم ، فقال له : ما كنت إلّا أديبا ، ولكنّي لمّا رأيت سوق الفقه بقرطبة نافقة اشتغلت به ، فقال له : ومن عقل المرء أن لا يفني عمره فيما لا ينفقه عصره.
وكان عبد الله المذكور يسمّى الزاهد ، فبايع قوما على قتل والده الناصر وأخيه الحكم
__________________
(١) في ب ، ه : «ولما يحل عني على أضغاث أحلام».
(٢) في ب ، ه : «منك ومني غرة العام».
(٣) كعب : هو كعب بن مامة الإيادي. وحاتم : هو حاتم الطائي ، وهما مضرب المثل في الكرم.
(٤) في ب ، ه : «على وجهه».
(٥) في ب ، ه : «ففيهم عبد الله عنه».