وقال الوزير محمد بن عبد الرحمن بن هانىء : [السريع]
يا حرقة البين كويت الحشا |
|
حتى أذبت القلب في أضلعه |
أذكيت فيه النار حتى غدا |
|
ينساب ذاك الذّوب من مدمعه |
يا سؤل هذا القلب حتى متى |
|
يؤسى برشف الريق من منبعه |
فإنّ في الشهد شفاء الورى |
|
لا سيما إن مصّ من مكرعه |
والله يدني منكم عاجلا |
|
ويبلغ القلب إلى مطمعه |
ولو لم يكن للأندلسيين غير كتاب «شذور الذهب» لكفاهم دليلا على البلاغة ، ومؤلّفه هو علي بن موسى بن علي بن محمد بن خلف أبو الحسن الأنصاري ، الجيّاني ، نزيل فاس ، وولي خطابتها ، ولم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه بلاغة معان وفصاحة ألفاظ ، وعذوبة تراكيب ، حتى قيل فيه : إن لم يعلّمك صناعة الذهب (١) علّمك الأدب. وفي عبارة بعضهم : إن فاتك ذهبه ، لم يفتك أدبه. وقيل فيه : إنه شاعر الحكماء ، وحكيم الشعراء. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
ولنذكر هنا نبذة من سرعة بديهة أهل الأندلس ، وإن مرّت من ذلك جملة ، وستأتي أيضا زيادة على الجميع ، فنقول :
قال في «بدائع البداءة» ما صورته (٢) : روى عبد الجبار بن حمديس الصقلي قال : صنع عبد الجليل بن وهبون المرسي الشاعر لنا نزهة بوادي إشبيلية ، فأقمنا فيه يومنا ، فلما دنت الشمس للغروب هبّ نسيم ضعيف غضّن وجه الماء ، فقلت للجماعة : أجيزوا : [الرمل]
حاكت الريح من الماء زرد
فأجازه كلّ منهم بما تيسّر له ، فقال له أبو تمام غالب بن رباح الحجاج كيف قلت يا أبا محمد؟ فأعدت القسيم له ، فقال :
أيّ درع لقتال لو جمد
وقد ذكرنا في هذا الكتاب ما يخالف هذا فليراجع في محلّه.
ثم قال صاحب «بدائع البداءة» بعد ما سبق ما صورته (٣) : وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف ، فقال : [الرمل]
نثر الجوّ على الترب برد |
|
أيّ درّ لنحور لو جمد |
__________________
(١) في ه : «صنعة الذهب».
(٢) بدائع البداءة ج ١ ص ٦٣.
(٣) انظر بدائع البداءة ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥.