ولله درّ محمد بن سفر أحد شعرائنا المتأخّرين عصرا ، المتقدّمين قدرا ، حيث نقل السعي إلى محبوبته فقال وليته لم يزل يقول مثل هذا ، فبمثله ينبغي أن يتكلّم ، ومثله يليق أن يدوّن : [الطويل]
وواعدتها والشمس تجنح للنوى |
|
بزورتها شمسا وبدر الدجى يسري |
فجاءت كما يمشي سنا الصبح في الدجى |
|
وطورا كما مرّ النسيم على النهر |
عطّرت الآفاق حولي فأشعرت |
|
بمقدمها والعرف يشعر بالزهر |
فتابعت بالتقبيل آثار سعيها |
|
كما يتقصّى قارىء أحرف السطر |
فبتّ بها والليل قد نام والهوى |
|
تنبّه بين الغصن والحقف والبدر (١) |
أعانقها طورا وألثم تارة |
|
إلى أن دعتنا للنوى راية الفجر |
ففضّت عقودا للتعانق بيننا |
|
فيا ليلة القدر اتركي ساعة النفر (٢) |
وهل منكم من قيّد بالإحسان فأطلق لسانه الشكر ، فقال وهو ابن اللّبّانة : [الطويل]
بنفسي وأهلي جيرة ما استعنتهم |
|
على الدهر إلّا وانثنيت معانا |
أراشوا جناحي ثم بلّوه بالندى |
|
فلم أستطع من أرضهم طيرانا |
ومن يقول وقد قطع عنه ممدوحه ما كان يعتاده منه من الإحسان ، فقابل ذلك بقطع مدحه له ، فبلغه أنه عتبه على ذلك ، وهو ابن وضّاح : [الكامل]
هل كنت إلّا طائرا بثنائكم |
|
في دوح مجدكم أقوم وأقعد |
إن تسلبوني ريشكم وتقلّصوا |
|
عنّي ظلالكم فكيف أغرّد |
وهل منكم شاعر رأى الناس قد ضجّوا من سماع تشبيه الثغر بالأقاح ، وتشبيه الزهر بالنجوم ، وتشبيه الخدود بالشقائق ، فتلطّف لذلك في أن يأتي به في منزع يصيّر خلقه في الأسماع جديدا ، وكليله في الأفكار حديدا ، فأغرب أحسن إغراب ، وأعرب عن فهمه بحسن تخيّله أنبل إعراب ، وهو ابن الزقاق : [المنسرح]
وأغيد طاف بالكؤوس ضحى |
|
وحثّها والصباح قد وضحا |
والروض أهدى لنا شقائقه |
|
وآسه العنبريّ قد نفحا |
__________________
(١) الحقف : ما استطال واعوجّ من الرمل.
(٢) النّفر : الإسراع إلى أمر ، وهو الهجران.