لا تحسبيني صبرت إلّا |
|
كصبر ميت على النّزاع |
ما خلق الله من عذاب |
|
أشدّ من وقفة الوداع |
ما بينها والحمام فرق |
|
لو لا المناحات والنواعي (١) |
إن يفترق شملنا وشيكا |
|
من بعد ما كان ذا اجتماع |
فكلّ شمل إلى افتراق |
|
وكلّ شعب إلى انصداع |
وكلّ قرب إلى بعاد |
|
وكلّ وصل إلى انقطاع |
واجتمع جماعة من الأدباء فيهم أبو الحسن سهل بن مالك والمهر بن الفرس وغيرهما بمدينة سبتة سنة ٥٨١ ، فتذاكروا محبوبا لهم يسكن الجزيرة الخضراء أمامهم ، فقالوا : ليقل كلّ واحد منكم (٢) شيئا فيه ، فقال سهل بن مالك : [الكامل]
لمّا حططت بسبتة قتب النّوى |
|
والقلب يرجو أن يحوّل حاله (٣) |
والجوّ مصقول الأديم كأنما |
|
يبدي الخفيّ من الأمور صقاله |
عاينت من بلد الجزيرة مكنسا |
|
والبحر يمنع أن يصاد غزاله (٤) |
كالشكل في المرآة تبصره وقد |
|
قربت مسافته وعزّ مناله |
فقال الجماعة : والله لا يقول أحد منا بعد هذا شيئا.
ولمّا قرأ أبو محمد عبد الله بن مطروح البلنسي صداق إملاك ، وغيّر فيه حال القراءة لفظة «غير» برفع ما كان منصوبا أو بالعكس ، أنشد بديها بعد الفراغ معتذرا عن لحنه : [مخلعالبسيط]
غيرت غيرا فصرت عيرا |
|
وهكذا من يجدّ سيرا (٥) |
فأجابه الحافظ أبو الربيع بن سالم الكلاعي ، وكان إلى جانبه ، بديهة : [مخلع البسيط]
ما أنت مما يظنّ فيه |
|
بذاك جهل فظنّ خيرا (٦) |
__________________
(١) الحمام : الموت.
(٢) في ه : «كل واحد منا».
(٣) في القدح : «ولما أنخت بسبتة قتب النوى».
والقتب : الرحل الصغير.
(٤) المكنس والكناس : مسكن الظباء.
(٥) العير ـ بفتح العين وسكون الياء : الحمار الأليف أو الوحشيّ.
(٦) في ه : «ما أنت ممن يظنّ منه».