ووقف أبو أمية بن حمدون بباب الأستاذ الشلوبين ، فكتب في ورقة «أبو أمية بالباب» ودفع الورقة لخادم الأستاذ ، فلمّا نظر إليها الأستاذ نوّن تاء أمية ، ولمن يزد على ذلك ، وأمر الخادم بدفع الورقة إليه ، فلمّا نظر فيها أبو أمية انصرف ، علما منه أن الأستاذ صرفه ، فانظر إلى فطنة الشيخ والتلميذ ، مع أنّ الشيخ منسوب إلى التغفّل في غير العلم.
ومن حكايات أهل الأندلس في العفو أنّ المعتصم بن صمادح كان قد أحسن للنّحلي البطليوسي ، ثم إنّ النّحلي سار إلى إشبيلية ، فمدح المعتضد بن عباد بشعر قال فيه : [المتقارب]
أباد ابن عبّاد البربرا |
|
وأفنى ابن معن دجاج القرى |
ونسي ما قاله ، حتى حلّ بالمريّة ، فأحضره ابن صمادح لمنادمته ، وأحضر للعشاء موائد ليس فيها غير دجاج ، فقال النّحلي : يا مولاي ، ما عندكم في المرية لحم غير الدجاج؟ فقال :
إنما أردنا أن نكذبك (١) في قولك :
وأفنى ابن معن دجاج القرى
فطار سكر النحلي ، وجعل يعتذر ، فقال له : خفّض عليك ، إنما ينفق مثلك بمثل هذا ، وإنما العتب على من سمعه فاحتمل (٢) منك في حقّ من هو في نصابه ، ثم أحسن إليه ، وخاف النّحلي ، ففرّ من المرية ، ثم ندم فكتب إلى المعتصم : [المتقارب]
رضا ابن صمادح فارقته |
|
فلم يرضني بعده العالم |
وكانت مريّته جنّة |
|
فجئت بما جاءه آدم |
فما زال يتفقّده بالإحسان على بعد دياره ، وخروجه عن اختياره ، انتهى.
وقال في بلنسية أبو عبد الله الرصافي ، وقد خرج منها صغيرا : [الطويل]
بلادي التي ريشت قويدمتي بها |
|
فريخا وآوتني قرارتها وكرا (٣) |
مهادي ولين العيش في ريّق الصّبا |
|
أبى الله أن أنسى اعتيادي بها خيرا |
__________________
(١) في ب ، ه : «أردت أن أكذبك».
(٢) في ب ، ه : «فاحتمله منك».
(٣) في ه : «ريشت قديدمتي بها» تحريف.
والقويدمة : مصغر قادمة.