ودخل أبو القاسم بن عبد المنعم ، وكان أزرق وسيما ، ومعه أبو عبد الله الشاطبي وأبو عثمان سعيد بن قوشترة ، على صاحب كتاب «مشاحذ الأفكار ، في مآخذ النّظّار» فقال ابن قوشترة : [الكامل]
عابوه بالزّرق الذي بجفونه |
|
والماء أزرق والسّنان كذلكا (١) |
فقال الشاطبي : [الكامل]
والماء يهدي للنفوس حياتها |
|
والرمح يشرع للمنون مسالكا |
فقال أبو بكر بن طاهر صاحب كتاب «المشاحذ» : [الكامل]
وكذاك في أجفانه سبب الردى |
|
لكن أرى طيب الحياة هنالكا |
وهذا من بارع الإجازة ، وكم لأهل الأندلس من مثل هذا الديباج الخسرواني ، رحمهم الله تعالى وسامحهم!
وكتب الشيخ الإمام العالم العلامة أبو عبد الله محمد بن الصائغ الأندلسي النحوي عند قول الحريري «آمنا أن يعززا (٢) بثالث» ما نصّه : قد جيء لهما بثالث ورابع في قافيتهما ، وهو قول بعض الفضلاء : [السريع]
ما الأمة اللّكعاء بين الورى |
|
كمسلم حرّ أتى ملأمه (٣) |
فمه إذا استجديت من قول لا |
|
فالحرّ لا يملأ منها فمه |
ثم قال : وبخامس وسادس :
انقدّ مهوى أزره فانثنى |
|
مه يا عذولي في الذي انقدّ مه |
مندمة قتل المعنّى فلا |
|
ترسل سهام اللحظ تأمن دمه |
قلت : رأيت في المغرب في هذا المعنى ما ينيّف على سبعين بيتا كلّها مساجلة لبيتي الحريري ، رحمه لله تعالى!
__________________
(١) السّنان : الرمح.
(٢) يعززا بثالث : يعضدا ويقويا ، وأراد أنه يعتقد أنه لا يستطيع أحد أن يأتي لهما بنظير ، وبيتا الحريري هما قوله في المقامة الحلبية من مقاماته وهما : في التنزيل العزيز : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) [يس : ١٤].
(٣) اللكعاء : الحمفاء.