المتوكل على الله فرقّاه إلى مجالس ، وكساه ملابس ، فامتطى أسمى الرتب وتبوّأها ، ونال أسنى الخطط وما تملأها ، وقد أثبتّ له ما يعلم به رفيع قدره ، ويعرف كيف أساء له الزمان بغدره ، كقوله : [الكامل]
ركبوا السيول من الخيول وركّبوا |
|
فوق العوالي السّمر زرق نطاف |
وتجلّلوا الغدران من ماذيّهم |
|
مرتجّة إلّا على الأكناف (١) |
والماذي : العسل ، والنّطاف : جمع النّطفة وهي الماء الصافي قل أو كثر.
وقال الفقيه أبو بكر بن القوطية صاحب «الأفعال» في اللغة والغريب ، في زمن الربيع : [الكامل]
ضحك الثرى وبدا لك استبشاره |
|
فاخضرّ شاربه وطرّ عذاره |
ورنت حدائقه وزرّر نبته |
|
وتعطّرت أنواره وثماره (٢) |
واهتز ذابل كل ماء قرارة |
|
لما أتى متطلعا آذاره |
وتعمّمت صلع الرّبا بنباته |
|
وترنّمت من عجبها أطياره (٣) |
وقال في المطمح في حقّ ابن القوطية المذكور (٤) : إنه ممّن له سلف. وثنيّة كلّها شرف ، وهو أحد المجتهدين في الطلب ، والمشتهرين بالعلم والأدب ، والمنتدبين للعلم والتصنيف ، والمرتّبين له بحسن الترتيب والتأليف ، وكان له شعر نبيه ، وأكثره أوصاف وتشبيه ، انتهى.
وقال القاضي الأجلّ يونس بن عبد الله بن مغيث (٥) : [الطويل]
أتوا حسبة إذ قيل جدّ نحوله |
|
فلم يبق من لحم عليه ولا عظم (٦) |
فعادوا قميصا في فراش فلم يروا |
|
ولا لمسوا شيئا يدلّ على جسم (٧) |
طواه الهوى في ثوب سقم من الضنى |
|
وليس بمحسوس بعين ولاوهم |
وقال في المطمح فيه : إنه قاضي الجماعة بقرطبة ، فاضل ، ورع ، مبرز في النسّاك والزهّاد ، دائم الأرق في التخشّع والسّهاد ، مع التحقّق بالعلم والتميز بحمله (٨) ، والتحيز إلى فئة
__________________
(١) في ب ، ه : «إلا على الأكتاف».
والماذي : العسل الأبيض.
(٢) في ج : «ودنت حدائقه».
(٣) في ب ، ه : «وترنمت من عجمة أطياره».
(٤) انظر المطمح ص ٥٨.
(٥) انظر المطمح ص ٥٩.
(٦) كذا في ب ، ه. وفي أ : «أتوا حسه».
(٧) فعادوا : أي من العيادة ـ وهي زيارة المريض.
(٨) في ب : «والتمييز بجمله» وفي ه : «والتمييز بفضله».