الورع وأهله ، وله تآليف في التصوّف والزهد ، منها «كتاب المنقطعين إلى الله» و «كتاب المجتهدين» وأشعار في هذا المعنى ، منها قوله : [الوافر]
فررت إليك من ظلمي لنفسي |
|
وأوحشني العباد وأنت أنسي |
قصدت إليك منقطعا غريبا |
|
لتؤنس وحدتي في قعر رمسي (١) |
وللعظمى من الحاجات عندي |
|
قصدت وأنت تعلم سرّ نفسي |
ولمّا أراد المستنصر بالله غزو الروم تقدّم إلى أبي محمد والده بالكون في صحبته ، ومسايرته في غزوته ، فاعتذر بعذر يجده ، وألم لا ينجده ، فقال له الحكم : إن ضمن له أن يؤلف في أشعار خلفائنا بالمشرق والأندلس مثل كتاب الصولي في أشعار خلفاء بني العباس أعفيته من الغزاة ، وجازيته أفضل المجازاة ، فأجابه إليه على أن يؤلفه بالقصر ، فزعم أنه رجل مزور ، وأن ذلك الموضع ممتنع على من يلمّ به ويزور ، فألفّه بدار الملك المطلّة على النهر ، وأكمله فيما دون شهر ، وتوفي والمستنصر بعد في غزاته (٢).
وقال ابن سيده صاحب «المحكم» يخاطب إقبال الدولة : [الطويل]
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى |
|
سبيل؟ فإنّ الأمن في ذاك واليمنا |
قال في المطمح : الفقيه أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن سيده إمام في اللغة والعربية ، وهمام في الفئة الأدبية ، وله في ذلك أوضاع ، لأفهام أخلافها استدرار واسترضاع ، حرّرها تحريرا ، وأعاد طرف الذكاء بها قريرا ، وكان منقطعا إلى الموفّق صاحب دانية ، وبها أدرك أمانيه ، ووجد تجرّده للعلم وفراغه ، وتفرّد (٣) بتلك الإراغة ، ولا سيما كتابه المسمى بالمحكم ، فإنه أبدع كتاب وأحكم ، ولمّا مات الموفّق رائش جناحه ، ومثبت غرره وأوضاحه ، خاف من ابنه إقبال الدولة ، وأطاف به مكروها بعض من كان حوله ، إذ أهل الطلب كحيات مساورة ، ففرّ إلى بعض الأعمال المجاورة ، وكتب إليه منها مستعطفا : [الطويل]
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى |
|
سبيل؟ فإنّ الأمن في ذاك واليمنا |
فتنضى هموم طلّحته خطوبها |
|
ولا غاربا يبقين منه ولا متنا (٤) |
__________________
(١) الرمس : القبر.
(٢) في الأصول : «وتوفي المستنصر إذ ذاك» وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه ، وهو في ب.
(٣) في ه «وتفرده بتلك الإراغة» والإراغة : الإرادة ، والطلب.
(٤) طلّحته : أتعبته ، وأعيته.