أعمالهم (١) ، وصيّروهم أتباعا لهم ، ومتصرّفين بين أيديهم ، ومتى دخلوا في شغل عملوه في أقرب مدة ، وأفرغوا فيه من أنواع الحذق والتجويد ما يميلون به النفوس إليهم ، ويصير الذكر لهم ، قال : ولا يدفع هذا عنهم إلّا جاهل أو مبطل ، انتهى.
وقال ابن سعيد ، لمّا ذكر جملة من محاسن الأندلسيين : يعلم الله تعالى أني ما أقصد إلّا إنصاف المنصفين الذين لا يميل بهم التعصّب ، ولا يجمح بهم الهوى ، ولكن الحق أحقّ أن يتّبع ، فلعلّ مطّلعا يقف على ما ذكره ابن غالب : فيقول : هذا الرجل تعصّب (٢) لأهل بلده ، ثم يغمس التابع له والراضي بنقل قوله في هذه الصبغة ويحمله على ذلك بعده عن الأرضين : [الطويل]
ولو أبصروا ليلى أقرّوا بحسنها |
|
وقالوا بأني في الثناء مقصّر |
ويكفي في الإنصاف أن أقول : إنّ حضرة مراكش هي بغداد المغرب ، وهي أعظم ما في برّ العدوة ، وأكثر مصانعها ومبانيها الجليلة وبساتينها إنما ظهرت في مدة بني عبد المؤمن ، وكانوا يجلبون لها صناع الأندلس من جزيرتهم ، وذلك مشهور معلوم إلى الآن. ومدينة تونس بإفريقية قد انتقلت إليها السعادة التي كانت في مراكش بسلطان إفريقية الآن أبي زكريا يحيى بن أبي محمد بن أبي حفص ، فصار فيها من المباني والبساتين والكروم ما شابهت به بلاد الأندلس وعرفاء صناعه من الأندلس وتماثيله التي يبنى عليها ، وإن كان أعرف خلق الله باختراع محاسن هذا الشأن ، فإنما أكثرها من أوضاع الأندلسيين ، وله من خاطره تنبيهات وزيادة ظهر حسن موقعها ، ووجوه صنائع دولته لا تكاد تجدهم إلّا من الأندلس فصحّ قول ابن غالب ، انتهى.
قال الحميدي : أنشد بحضرة بعض ملوك الأندلس قطعة لبعض أهل المشرق ، وهي : [الطويل]
وما ذا عليهم لو أجابوا فسلّموا |
|
وقد علموا أني المشوق المتيّم (٣) |
سروا ونجوم الليل زهر طوالع |
|
على أنّهم بالليل للناس أنجم |
وأخفوا على تلك المطايا مسيرهم |
|
فنمّ عليهم في الظلام التبسّم (٤) |
__________________
(١) في ج : «وأجملوا أعمالهم».
(٢) في ب : «فيقول : تعصب هذا الرجل».
(٣) في ه : «وما ذا عليهم لو أثابوا فسلّموا».
(٤) في ب : «فنمّ عليها في الظلام التبسّم» ، أي فضحهم في الليل التبسم للمعانه.