قد صار عندهم عنقاء مغربة |
|
أو مثل ما حدّثوا عن ألف مثقال |
فقال له المعتمد : عنقاء مغربة وألف مثقال يا عبد الجليل عندك سواء؟ فقال : نعم ، قال : قد أمرنا لك بألف دينار وبألف دينار أخرى تنفقها.
وذكر القرطبي صاحب «التذكرة» في كتابه «قمع الحرص بالزهد والقناعة» ما صورته: روينا أن الإمام أبا عمر بن عبد البر ، رضي الله تعالى عنه ، بلغه وهو بشاطبة أنّ أقواما عابوه بأكل طعام السلطان وقبول جوائزه ، فقال : [مجزوء الرمل]
قل لمن ينكر أكلي |
|
لطعام الأمراء |
أنت من جهلك هذا |
|
في محلّ السّفهاء |
لأنّ الاقتداء بالصالحين ، من الصحابة والتابعين ، وأئمّة الفتوى من المسلمين ، من السلف الماضين ، هو ملاك الدين ، فقد كان زيد بن ثابت ـ وكان من الراسخين في العلم ـ يقبل جوائز معاوية وابنه يزيد ، وكان ابن عمر ، رضي الله تعالى عنهما ـ مع ورعه وفضله ـ يقبل هدايا صهره المختار بن أبي عبيد ، ويأكل طعامه ، ويقبل جوائزه ، وقال عبد الله بن مسعود ـ وكان قد ملئ علما ـ لرجل سأله ، فقال : إنّ لي جارا يعمل بالربا ، ولا يجتنب في مكسبه الحرام ، يدعوني إلى طعامه ، أفأجيبه؟ قال : نعم ، لك المهنأ وعليه المأثم ، ما لم تعلم الشيء بعينه حراما ، وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ـ حين سئل عن جوائز السلاطين ـ : لحم ظبي ذكي ، وكان الشعبي ـ وهو من كبار التابعين وعلمائهم ـ يؤدّب بني عبد الملك بن مروان ، ويقبل جوائزه ويأكل طعامه ، وكان إبراهيم النخعي وسائر علماء الكوفة والحسن البصري ـ مع زهده وورعه ـ وسائر علماء البصرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان والفقهاء السبعة بالمدينة ـ حاشا سعيد بن المسيّب ـ يقبلون جوائز السلطان ، وكان ابن شهاب يقبلها ، ويتقلّب في جوائزهم ، وكانت أكثر كسبه ، وكذلك أبو الزناد ، وكان مالك وأبو يوسف والشافعي وغيرهم من فقهاء الحجاز والعراق يقبلون جوائز السلاطين والأمراء ، وكان سفيان الثوري ـ مع ورعه وفضله ـ يقول : جوائز السلطان أحبّ إليّ من صلة الإخوان ؛ لأنّ الإخوان يمنّون والسلطان لا يمنّ ، ومثل هذا عن العلماء والفضلاء كثير ، وقد جمع الناس فيه أبوابا ، ولأحمد بن خالد فقيه الأندلس وعالمها في ذلك كتاب حمله على وضعه وجمعه طعن أهل بلده عليه في قبوله جوائز عبد الرحمن الناصر ، إذ نقله إلى المدينة بقرطبة ، وأسكنه دارا من دور الجامع قربه ، وأجرى عليه الرزق من الطعام والإدام والناضّ (١) ، وله ولمثله في بيت المال
__________________
(١) الإدام ، بكسر الهمزة : بزنة الكتاب : ما يؤكل من الخبز فيسهل بلعه ويطيبه. والناضّ : الدرهم والدينار.