وابن مجبر هو أبو بكر يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مجبر الفهري ، كان في وقته شاعر المغرب ، ويشهد له بقوّة عارضته وسلامة طبعه قصائده التي صارت مثالا ، وبعدت على قربها منالا ، وشعره كثير يشتمل على أكثر من تسعة آلاف وأربعمائة بيت ، واتّصل بالأمير أبي عبد الله بن سعد بن مردنيش ، وله فيه أمداح ، وأنشد يوسف بن عبد المؤمن يهنيه بفتح : [الخفيف]
إنّ خير الفتوح ما جاء عفوا |
|
مثل ما يخطب الخطيب ارتجالا |
وكان أبو العباس الجراوي حاضرا ، فقطع عليه لحسادة وجدها ، وقال : يا سيدنا ، اهتدم بيت وضاح : [الرجز]
خير شراب ما كان عفوا |
|
كأنه خطبة ارتجالا |
فبدر المنصور ، وهو حينئذ وزير أبيه وسنّه قريب العشرين ، وقال : إن كان اهتدمه فقد استحقّه لنقله إيّاه من معنى خسيس إلى معنى شريف ، فسرّ أبوه بجوابه ، وعجب الحاضرون.
ومرّ المنصور أيام إمرته بأونبة (١) من أرض شلب ، فوقف على قبر الحافظ أبي محمد بن حزم ، وقال : عجبا لهذا الموضع ، يخرج منه مثل هذا العالم ، ثم قال : كلّ العلماء عيال على ابن حزم ، ثم رفع رأسه وقال : كما أنّ الشعراء عيال عليك يا أبا بكر ، يخاطب ابن مجبر.
ومن شعر ابن مجبر يصف خيل المنصور من قصيدة في مدحه : [الطويل]
له حلبة الخيل العتاق كأنها |
|
نشاوى تهاوت تطلب العزف والقصفا (٢) |
عرائس أغنتها الحجول عن الحلى |
|
فلم تبغ خلخالا ولا التمست وقفا |
فمن يقق كالطّرس تحسب أنه |
|
وإن جرّدوه في ملاءته التفّا (٣) |
وأبلق أعطى الليل نصف إهابه |
|
وغار عليه الصبح فاحتبس النصفا |
وورد تغشّى جلده شفق الدّجى |
|
فإذ حازه دلّى له الذيل والعرفا |
وأشقر مجّ الراح صرفا أديمه |
|
وأصفر لم يمسح بها جلده صرفا |
وأشهب فضّيّ الأديم مدنّر |
|
عليه خطوط غير مفهمة حرفا |
كما خطّر الزاهي بمهرق كاتب |
|
فجرّ عليه ذيله وهو ما جفّا (٤) |
__________________
(١) في أ«بأوقبة».
(٢) في ج : «نشاوى تهادت».
(٣) اليقق : الشديد البياض.
(٤) في ب : «كما خطط الزاهي ...».