وقال في «بدائع البداءة» : دخل الوزير أبو العلاء زهر ابن الوزير أبي مروان عبد الملك بن زهر على الأمير عبد الملك بن رزين في مجلس أنس ، وبين يديه ساق يسقي خمرين من كأسه ولحظه ، ويبدي درّين من حبابه ولفظه ، وقد بدا خطّ عذاره في صحيفة خدّه (١) ، وكمل حسنه باجتماع الضدّ منه مع ضدّه ، فكأنه بسحر لحظه أبدى ليلا في شمس ، وجعل يومه في الحسن أحسن من أمس ، فسأله ابن رزين أن يصنع فيه ، فقال بديها : [الطويل]
تضاعف وجدي أن تبدّى عذاره |
|
ونمّ فخان القلب منّي اصطباره (٢) |
وقد كان ظنّي أن سيمحق ليله |
|
بدائع حسن هام فيها نهاره |
فأظهر ضدّ ضدّه فيه إذ وشت |
|
بعنبره في صفحة الخدّ ناره |
واستزاده ، فقال بديها : [الخفيف]
محيت آية النهار فأضحى |
|
بدر تمّ وكان شمس نهار |
كان يعشي العيون نورا إلى أن |
|
شغل الله خدّه بالعذار |
وصنع أيضا : [المتقارب]
عذار ألمّ فأبدى لنا |
|
بدائع كنّا لها في عمى |
ولو لم يجنّ النهار الظلا |
|
م لم يستبن كوكب في السّما |
وصنع أيضا : [الكامل]
تمّت محاسن وجهه وتكاملت |
|
لمّا استدار به عذار مونق (٣) |
وكذلك البدر المنير جماله |
|
في أن يكنّفه سماء أزرق |
انتهى.
وحكى الحميدي (٤) وغيره أن عبد الله بن عاصم صاحب الشرطة بقرطبة كان أديبا شاعرا سريع البديهة ، كثير النوادر ، وهو من جلساء الأمير محمد بن عبد الرحمن الأموي ملك الأندلس ، وحكوا أنه دخل عليه في يوم ذي غيم ، وبين يديه غلام حسن المحاسن ، جميل الزي ، ليّن الأخلاق (٥) ، فقال الأمير : يا ابن عاصم ، ما يصلح في يومنا هذا؟ فقال : عقار ينفد
__________________
(١) في ه : «في صفحة خده».
(٢) في ب ، ه : «تضاعف وجدي إذ تبدى».
(٣) المونق : المعجب.
(٤) انظر الجذوة ص ٢٤٥.
(٥) في أ«كريم الأخلاق».