ثم استفحل (١) ملك يعقوب بن عبد الحق صاحب المغرب وحضرة ملك فاس ، فانتصر به أهل الأندلس على الإفرنج الذين تكالبوا عليهم ، فاجتاز إلى الأندلس وهزم الإفرنج أشد هزيمة ، حتى قال بعضهم : ما نصر المسلمون من العقاب حتى دخل يعقوب المريني وفتك في بعض غزواته بملك من النصارى يقال له ذوننه (٢) ، ويقال : إنه قتل من جيشه أربعين ألفا ، وهزمهم أشد هزيمة ، ثم تتابعت غزواته بالأندلس وجوازه للجهاد ، وكان له من بلاد الأندلس رندة والجزيرة الخضراء وطريف وجبل طارق وغير ذلك ، وأعز الله تعالى به الدين ، بعد تمرد الفرنج المعتدين.
ولما مات ولي بعده ابنه يوسف بن يعقوب ، ففر إليه الأذفونش ملك النصارى لائذا به (٣) ، وقبّل يده ، ورهن عنده تاجه ، فأعانه على استرجاع ملكه.
ولم يزل ملوك بني مرين يعينون أهل الأندلس بالمال والرجال ، وتركوا منهم حصة معتبرة من أقارب السلطان بالأندلس غزاة ، فكانت لهم وقائع في العدو (٤) مذكورة ، ومواقف مشكورة ، وكان عند ابن الأحمر منهم جماعة بغرناطة ، وعليهم رئيس من بيت ملك بني مرين يسمونه شيخ الغزاة.
ولما أفضى الملك إلى السلطان الكبير الشهير أبي الحسن المريني ، وخلص له المغرب وبعض بلاد الأندلس أمر بإنشاء الأساطيل الكثيرة برسم الجهاد بالأندلس واهتم بذلك غاية الاهتمام ، فقضى الله تعالى أن استولى الإفرنج على كثير من تلك المراكب بعد أخذهم الجزيرة الخضراء ، وكان الإفرنج جمعوا جموعا كثيرة برسم الاستيلاء على ما بقي للمسلمين بالأندلس ، فاستنفر أهل الأندلس السلطان أبا الحسن المذكور ، فجاء بنفسه إلى سبتة فرضة المجاز (٥) ومحل أساطيل المسلمين ، فإذا بالإفرنج جاؤوا بالسفن التي لا تحصى ، ومنعوه العبور ، وأغاثه أهل الأندلس حتى استولوا على الجزيرة الخضراء ، وأنكوه في مراكبه أعظم نكاية ، ولله الأمر.
وقد أفصح عن ذلك كتاب صدر من السلطان أبي الحسن المذكور إلى سلطان مصر والشام والحجاز الملك الصالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي الألفي ، رحم الله تعالى الجميع!.
__________________
(١) استفحل : عظم.
(٢) في ج «ذونند».
(٣) لائذا به : ملتجئا إليه.
(٤) في ج «وقائع في العدوة».
(٥) في بعض النسخ «فرصة المجتاز».