لقد أوقف الكليني حياته على تدوين الحديث من منابعه الأصليّة إلّا ان ذلك لم يصرفه عمّا يدور حوله من قضايا عصره وعمّا ابتلي به المسلمون وبخاصّة شيعة أهل البيت عليهم السلام ؛ ذلك انّه ليس من اولئك الأشخاص الذين يجنحون إلى العزلة للنجاة بأنفسهم فيكونوا أقصى ما يكونوا أناساً صالحين ، وإنّما يحاول أن يكون من المؤثّرين والمصلحين الذين يحملون هموم المسؤوليّة ؛ ولذا كان يعيش في قلب الأعاصير الفكريّة التي كانت تضرب في عمق الحياة الثقافية والفكريّة ؛ فتصدّى لكلّ الأفكار والتيارات الانحرافيّة ولم يتردّد في نقد الفكر الاستلابي للقرامطة ويفنّد نظريّاتهم ؛ ولم يسكت ازاء عقائدهم التي كانت مزيجاً غير متجانس من الفكر الإسلامي والفكر المانوي والزرادشتي (١).
وما لبث ان طار صيته في عموم بغداد ليصبح المرجع الديني ليس للشيعة وحدهم وإنّما لأهل السنّة أيضاً على تعدّد انتمائهم المذهبي.
__________________
١. معجم الفرق الاسلاميّة ، محمّد جواد مشكور ص ٣٩.