ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري
__________________
كربلاء» ص ٢٣ ط ٥ دار ثابت ـ القاهرة ، قال :
ولقد جاءته الخلافة فيما بعد ، فما ذا كانت له .. وما ذا كان لها ..؟ أما هي فكانت له عبئا فادحا ورزءا رهيبا ..
وأما هو فكان لها المؤمن الذي لا يصرفه عن مسئوليات إيمانه شيء ، والفدائي الذي لا تصرفه عن حب التضحية رغبة ولا تجفله رهبة.
لقد كان قادرا ـ لو أراد ـ أن يطوي بيمينه مائة حاكم من أمثال معاوية .. وأن يطوي بيمينه مائة شام ، لا شاما واحدة.
أجل. بقليل من الدهاء وبقليل من المسايرة كان قادرا على دحض التمرد كله ، لكنّ صرامته في احترام مبادئه وتطبيقها جعلته يؤثر المركب الصعب دوما.
كان مؤمنا بأن الحق يجب أن يمضى في طريقه دون مراوغة أو مسايرة أو دهاء.
وحين أشاروا عليه أن يستبقي معاوية بعض الوقت واليا على الشام ريثما تقر الأمور وتهدأ الفتنة صاح في مثيريه قائلا : أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله ، لن يراني الله متخذ المضلين عضدا.
هذا هو الرجل الذي ربّى الحسن والحسين اللذين خاضا معه وخاضا من بعده معارك الحق في سبيل أن يبقى الدين دينا.
هذا هو الأب الذي أنجب أبطال كربلاء الذين سنرى الآن من بطولتهم عجبا.
وهذا هو بيت آل النبي بين القرابين والشهداء.
لقد نزل الوحي يوما بهذه الآية الكريمة : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ومن فوره دعا الرسول إليه عليا وفاطمة والحسن والحسين حيث دثرهم بردائه وضمّهم بحنانه وراح يقول في حبور عظيم : هؤلاء أهل بيتي.
أفكانت الدنيا بكل إغرائها وبذخها وغرورها هي الرجس الذي أذهبه الله عن آل هذا البيت الكريم ، فحال بينهم وبينها ببحار من دمائهم الزكية ، وجبال من تضحياتهم الشاهقة الفتيّة؟!