مهما تقدم العلم ، وقطعت الحضارة أشواطاً بعيدة في هذه الحياة فان كل ذلك يكون من موجبات ازدياد الثقة بالله تعالى ، وترسيخ قواعد الإيمان به ، والاعتراف بعظمته ، وقدرته . ذلك لأن مجاهر العلم مهما اكتشفت ، وتقدمت فإنها لا تصل الى حل غوامض بعض ما ينطوي عليه هذا الكون من أسرار أرضية ، أو سماوية ( وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) (١) .
وإذا كانت كل هذه الاكتشافات نوافذ نطلع منها على عظمة الله ، وقدرته ، فإن الدعاء في حد ذاته هو المدرسة التي نتعلم فيها كيف نعيش ، وكيف نفكر ، وكيف نسلك مع الله ، ومع الناس ، ومع أنفسنا .
ولهذا فالدعاء ليس كما يحلو للبعض أن يعبر عنه بانه : الملهاة المحببة لقلوبٍ أماتها التصوف ، وأفكار خيمت عليها العزلة . بل الدعاء هو المادة الأساسية للغذاء الروحي للإنسان ، فكما يحتاج الفرد منا الى الغذائين : الجسمي والعقلي ، كذلك هو بأمس الحاجة الى ما ينمي الروح ، وينشطها فإن نشاط الجسم بنشاط الروح ، وتقوية معنوياتها .
لذلك نرى علماء النفس يؤكدون بأن نسبة القتل ، والانتحار والطلاق ، والتشاكس ، وكل الأعمال التي تكون مسببة عن الغضب ، واليأس ، والحرمان عند المعتقدين بالدعاء أقل منها عند غير المعتقدين به .
__________________
(١) سورة الإِسراء : آية (٨٥) .