إذن دخلت سياسة الأمر الواقع في التقسيم العملي لمصادر التشريع ، وبالخصوص في مجال النظام السياسي الإسلامي ، كما في المثال السابق ، وكما في الأعم الأغلب من تفاصيل هذا النظام كما سنرى ...
فحين جعل اختيار الإمام ـ رأس النظام السياسي وفاتحة مساره المقبل ـ منوطا بالأمة ، فلا بد من مزيد بيان وتحديد ، فما معنى أن الأمر منوط بالأمة؟!
هل يعني أن تجتمع الأمة بكامل أفرادها على رجل واحد في وقت واحد لتتم له البيعة فتصح خلافته؟!
* ذهب إلى هذا بعض المعتزلة ـ كأبي بكر الأصم والهشامية ـ ولكن لم يوافقهم عليه أحد ، لأنه أمر لم يتحقق قط ، ولا يمكن تحققه في الواقع بحال من الأحوال ، فهو تكليف ما لا يطاق.
* لذا خفف آخرون من شدة ذلك ، فقالوا : إن المراد بالأمة هنا فضلاؤها من كل بلد ومدينة ، لا سائر أفرادها.
* لكن هذا الرأي هو الآخر لم يحظ بالقبول ، لأنه لم يكن له في الواقع مصداق ، بل رأي البعض فساد هذا الرأي ، لأنه لا بد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مئة جزء من فضلاء أهل البلاد الإسلامية المتعددة الأطراف (٦).
وإلى هنا لم يكن لهذه الآراء دليل من الشرع ولا من الواقع
* أما الجمهور فذهبوا إلى أن الإمامة تنعقد باختيار أهل الحل والعقد فقط ، لا جميع الأمة ولا جميع فضلائها.
__________________
نظر .. إن عليهم وفق مبدئهم أن ينضموا إلى شيعة علي ، أو أن يذعنوا للشيعة بأنهم هم السلفيون حقا!
(٦) الفصل ٤ / ١٦٨.