أحاديث صحيحة ميزت قريشا بمنزلة ليست لغيرها ، كحديث : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ...» الحديث (١٠٨).
وذهب آخرون إلى تبرير آخر ، فاحتجوا بالحديث : «مولى القوم منهم ، ومن أنفسهم ، وابن أخت القوم منهم» فاعتمدوا نصا جديدا في توسيع دائرة النص الأول ، بدلا من اللجوء إلى التأويل والاجتهاد في مقابلة النص.
لكن هذا أيضا لم يقع موقع الرضا لدى الجمهور ، إذ هو مخالف للإجماع .. قال ابن حزم : إن الإجماع قد تيقن وصح على أن حكم الحليف والمولى وابن الأخت كحكم من ليس له حليف ولا مولى ولا ابن أخت. فإذا صح البرهان بأن لا تكون ـ الخلافة ـ إلا في قريش ، لا في من ليس قرشيا ، صح بالإجماع أن حليف قريش ومولاهم وابن أختهم كحكم من ليس قرشيا (١٠٩).
هذا كله عن سالم مولى أبي حذيفة ، ولكن ليس ثم جواب عن اختيار معاذ ، وهو من الأنصار الذين أغار عليهم القرشيون الثلاثة في السقيفة ، وفيهم عمر ، واحتجوا عليهم بأن الأئمة من قريش ، وهيهات أن ترضى العرب بغير قريش! هذا الكلام قاله عمر في خطابه للأنصار في السقيفة ، ثم واصل خطابه قائلا : «ولنا بذلك الحجة الظاهرة ، من نازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة؟!» (١١٠).
إن تعدد هذه المواقف المختلفة أضفى كثيرا من الغموض على عقيدة عمر في الخلافة ، مما يزيد في إرباك نظرية الخلافة والإمامة إذا ما أرادت أن تساير جميع المواقف ، من هنا اضطروا إلى الضرب على اختلافات عمر حفاظا على صورة أكثر تماسكا لهذه النظرية ، كل ذلك لأجل تثبيت هذا المبدأ القائم
__________________
(١٠٨) صحيح مسلم ـ كتاب الفضائل ح ١.
(١٠٩) الفصل ٤ / ٨٩ ـ ٩٠.
(١١٠) راجع : الكامل في التاريخ ٢ / ٣٢٩ ـ ٣٣٠ ، الإمامة والسياسة : ١٢ ـ ١٦.