الحكم!
نقل الطبري من طريقين : أن عثمان أرسل إلى معاوية وعبد الله بن سعد ابن أبي سرح وسعيد بن العاص وعمرو بن العاص وعبد الله بن عامر ، فجمعهم ليشاورهم في أمره ، فقال لهم : إن لكل امرئ وزراء ونصحاء ، وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي .. وقد صنع لناس ما قد رأيتم ، وطلبوا إلي أن أعزل عمالي ، وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون ، فاجتهدوا رأيكم وأشيروا علي.
فلما أشاروا عليه عمل بما رآه من مجموع مشوراتهم ، فردهم على أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم ، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث (١١٨) ، وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه (١١٩).
هذه الوجوه المتناقضة كلها من المستحيل أن تجتمع في نظرية واحدة ، فتكون نظرية منسجمة وذات تصور واضح ومحدد ومفهوم.
هذا كله ، وبقدر ما يثيره من شكوك حول صلاحية هذه النظرية ، فإنه يرجح الرأي الآخر الذي يذهب إلى اعتماد النص الشرعي في تعيين خليفة الرسول.
إلى هذه النتيجة أيضا خلص الدكتور أحمد محمود صبحي وهو يدرس نظرية الإمامة ، إذ قال : «أما من الناحية الفكرية فلم يقدم أهل السنة نظرية متماسكة في السياسة تحدد مفاهيم البيعة والشورى وأهل الحل والعقد ، فضلا عن هوة ساحقة تفصل بين النظر والتطبيق ، أو بين ما هو شرعي وبين ما يجري في الواقع.
__________________
(١١٨) أي إرسالهم إلى أطراف البلاد بحجة حماية الحدود ، ومنعهم عن العودة إلى أهليهم.
(١١٩) تاريخ الطبري ـ أحداث سنة ٣٤ ه ـ ٤ / ٣٣٣ ـ ٣٣٥.