(البديعيات) الذين جاؤوا بعد الصفي الحلي قد أشار إلى رؤية النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام ، واتخذ من تلك الرؤية دافعا ومحرضا قويا على نظم بديعيته ، تماما كما حصل للصفي الحلي ، والبوصيري قبلهم ، على خلاف في الحالة المرضية فقط ، ولعل هذا يوضح لنا استمرار اقتران (البديعيات) بالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبمديحه. فشعبان الآثاري مثلا في مقدمة بديعيته «العقد البديع» وهي كبرى بديعياته يقول : «فلما أردت الشروع في نظم هذا العقد البديع ، وجدت الفكر غير قابل أن يطيع ، فصرت أستشكل أمرا وأستسهل أمرا ، وأقدم رجلا وأؤخر أخرى ، لأن هذا مقام لا يناله إلا من حصلت له إشارة ، وكان من أهل البراعة والعبادة ، فأقمت قرب السنة ولم أظفر بمطلع يبرز إلى الظاهر مني ، ولا ببيت يأخذه بعض الأصحاب عني ، فجرت لذلك عبرة العين ، ولم أعرف السبب في ذلك الحجاب من أين. فوقفت على باب الله تعالى خاشعا باكيا متضرعا داعيا راجيا من فضله العميم تيسير هذه المسالك ، وسألت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في المساعدة على ما هنالك ... ونمت فرأيت في المنام خير الأنام وقد جعل لي ساعدا أبيض غير ساعدي اليمين الأول ، وحين انتبهت قيل لي : إنه لك بالمساعدة مؤول ، فأصبحت فرحا مسرورا ، وعلى جيش القوافي مؤيدا منصورا».
وقريبا من هذا أشارت إليه الباعونية في مقدمة بديعيتها وفيه ما فيه من دلالة على المدد النبوي الذي كان يختلج في ذهن ناظمي (البديعيات) (٥).
وقد أحسن بهذه الصلة بين البديعيات والبردة أصحاب البديعيات أنفسهم :
فهذا ابن حجة الحموي ـ أحد متقدمي ناظمي البديعيات ـ يقول :
«فهذه البديعية التي نسجتها بمدحه صلىاللهعليهوآلهوسلم على
__________________
(٥) البديعيات : ٣٠ ـ ٣١.