أيضا لكان يلزمه الإسكان فى الوقف والوصل وكانوا يبطئون عند الإدراج ، فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام ، ألا تراهم بنوا كلامهم على متحرك وساكن ومتحركين وساكن ، ولم يجمعوا بين ساكنين فى حشو الكلمة ولا فى حشو بيت ولا بين أربعة أحرف متحركة ، لأنهم فى اجتماع الساكنين يبطئون وفى كثرة الحروف المتحركة يستعجلون وتذهب المهلة فى كلامهم ، فجعلوا الحركة عقب الإسكان. وقيل له : فهلا لزموا حركة واحدة؟ فقال : لو فعلوا ذلك لضيّقوا على أنفسهم ، فأرادوا الاتساع فى الحركات وأن لا يحظروا على المتكلم الكلام إلا بحركة واحدة».
وعلى نحو ما علل لاختلاف حركات الإعراب بالاتساع فى الكلام علّل لظاهرة الترادف فى اللغة بنفس العلة ، إذ يقول : «إنما أوقعت العرب اللفظتين على المعنى الواحد ليدلوا على اتساعهم فى كلامهم ، كما زاحفوا فى أجزاء الشعر ليدلوا على أن الكلام واسع عندهم وأن مذاهبه لا تضيق عليهم عند الخطاب والإطالة والإطناب» (١).
ولم يكن يعنى بالخلاف على سيبويه والخليل فى آرائهما النحوية والصرفية عناية الأخفش ، ومع ذلك نجد له طائفة من الآراء خالفهما فيها معا أو خالف أستاذه سيبويه وحده ، أو خالف الأخفش. ومن هذه الآراء ما كان يذهب إليه من أن حركات الإعراب المسماة بالرفع والنصب والجر والجزم هى نفسها حركات البناء المسماة بالضم والفتح والكسر والوقف أو السكون ، ولا بأس من إطلاق كل منها على مقابلها فى الحالتين ، فيقال للرفع فى الكلمات المعربة الضم ، ويقال للضم فى الكلمات المبنية الرفع ، وهلم جرا (٢). ومرّ بنا أن الخليل وسيبويه كانا يريان أن إعراب المثنى والجمع المذكر إنما هو بحركات مقدرة فى الألف والواو والياء ، وأن الأخفش كان يرى أن إعرابهما بحركات مقدرة فيما قبل الألف والواو والياء أى على الدال فى مثل الزيدان والزيدين والزيدون والزيدين ، وذهب قطرب إلى إن إعرابهما بنفس هذه الحروف ، إذ مثلها مثل حركات
__________________
(١) المزهر ١ / ٤٠٠.
(٢) الهمع ١ / ٢٠.