ليست فتحة إعراب وإنما هى فتحة بناء لإضافتها إلى مبنى. وقد اندفع فى هذا الحكم تمشيا مع قاعدته التى أشرنا إليها فى الفصل الماضى ، وهى أنه قد يحذف الفاعل مع الفعل ، وكأنه لم يلاحظ فى مثل «ما قام إلا محمد» ما لاحظه البصريون وجمهور الكوفيين من أن الفاعل مذكور بعد إلا وأن الاستثناء مفرّغ. وربما كان أشد فى الغرابة أنه أعرب لفظة محمد فى حالة الرفع بدلا من الفاعل المحذوف (١).
وجوّز النحاة فى التمييز توسطه بين الفعل ومرفوعه مثل «طاب نفسا محمد» أما تقدمه على معموله مثل «نفسا طاب محمد» فمنعه سيبويه وجمهور البصريين وجوّزه الكسائى وتبعه فى ذلك المازنى والمبرد ، لوروده على لسان بعض الشعراء فى قوله :
أتهجر سلمى بالفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب |
واحتج البصريون بأن ذلك لم يرد فى نثر ، وإنما جاء على لسان الشاعر ضرورة ، ولا يحتجّ بالضرورة لأنها تبيح مالا يباح (٢).
وكان سيبويه يذهب هو وجمهور البصريين إلى أن «حيث» تلزم الإضافة إلى جملة اسمية أو فعلية وأنه لا يجوز إضافتها إلى المفرد ، وذهب الكسائى إلى جواز ذلك ، بل جعله قياسيّا لقول بعض الشعراء :
ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم |
|
ببيض المواضى حيث لىّ العمائم (٣) |
وقول آخر :
أما ترى حيث سهيل طالعا |
|
نجما يضىء كالشهاب لامعا |
والبصريون يجعلون ذلك من النادر الذى لا يصح أن يتّخذ منه القياس والأحكام النحوية الكلية العامة (٤).
__________________
(١) الهمع ١ / ٢٢٣.
(٢) الإنصاف : المسألة رقم ٢٠ والهمع ١ / ٢٥٢ وابن يعيش ٢ / ٧٣.
(٣) تحت الحبا : فى أوساطهم.
(٤) المغنى ص ١٤١ والهمع ١ / ٢١٢.