وله فى نواصب المضارع أحكام كثيرة لا تسندها الشواهد ولا القياس ، من ذلك أن سيبويه كان لا يجوّز الفصل بين «لن» والفعل المضارع المنصوب بعدها ، وتابعه فى ذلك البصريون وهشام ، وخالفه الكسائى ، فجوّز الفصل بين لن والفعل بالقسم وبمعموله ، فتقول : «لن والله أقرأ الكتاب» و «لن الكتاب أقرأ» وأحسّ الفراء ما فى المثال الأخير من النبوّ ، فلم يوافقه إلا على الفصل بالقسم ، غير أنه عاد فجوّز الفصل بكلمة أظن مسيغا أن يقال : «لن أظن أزورك» بالنصب ، وكذلك بالشرط مثل «لن ـ إن تزرنى ـ أزورك» وهما صيغتان نابيتان وليس هناك ما يؤيدهما من الشواهد (١). ومن هذا الباب أن البصريين وهشاما ومن تابعه من الكوفيين كانوا لا يجيزون الفصل بين كى ومعمولها إلا بما ولا الزائدتين ، مثل «جئت كيما أتعلم» و (كيلا يكون دولة) وجوز الكسائى الفصل بينها وبين الفعل بمعموله مطلقا. وأغرب من ذلك أنه جوّز أن يتقدم عليها المعمول للفعل مثل «جئت الرياضة كى أتعلم» (٢). ومن ذلك أن جمهور البصريين كان يجيز الفصل بين إذن ومعمولها بلا النافية وبالقسم لورود ذلك فى الاختيار وفى الشعر مثل «إذن والله نرميهم بحرب» وتوسع الكسائى ـ وتبعه هشام ـ فجوّز الفصل بمعمول الفعل مطلقا مثل «إذن صاحبك أكرم» ويبقى الكسائى لإذن عملها ، ويلغيه هشام رافعا للمضارع. وكان سيبويه والبصريون يشترطون لنصبها المضارع أن تكون فى صدر العبارة ، وسمع الكسائى بعض الرجّاز يقول :
لا تتركنّى فيهم شطيرا |
|
إنى إذن أهلك أو أطيرا (٣) |
فذهب إلى إلغاء هذا الشرط بعد إنّ ، وقاس عليها كان ، تقول «كان عبد الله إذن يكرمك» وتوقف تلميذه الفرّاء ، فوافقه فى إنّ وخالفه فى كان ، رافضا ما ارتآه أستاذه من هذا القياس (٤).
وواضح مما قدمنا أن الكسائى كان يتوسع أحيانا فى القياس وأنه كان يدلى
__________________
(١) الهمع ٢ / ٤.
(٢) الهمع ١ / ٨٨ ، ٢ / ٦.
(٣) شطيرا : غريبا
(٤) معانى القرآن للفراء ١ / ٢٧٤ والهمع ١ / ٧ والمغنى ص ١٦ حيث ذكر ابن هشام أن البصريين يتأولون البيت على أن خبر إن محذوف تقديره : إنى لا أقدر على ذلك. واستأنف الشاعر ما بعده.