قياس النحو البصرى ، وصوّرنا ذلك من بعض الوجوه فى حديثنا عنه ، وأشرنا إلى أن الكسائى كان يرّد بعض القراءات ولا يجوّزها وأن البصريين الذين خطّأوا بعض القراءات إنما اقتدوا فى ذلك بالفرّاء. ومن يرجع إلى كتابه «معانى القرآن» يجد الآيات التى خطّأوا القرّاء فيها قد سبقهم إلى تخطئة جمهورها الأكبر ، فهو الذى فتح لهم هذا الباب على مصاريعه. ونحن نسوق بعض ما قرأناه له من ذلك فى الجزءين المطبوعين من الكتاب ، ولا بد أن وراءه فيما لم ينشر منه مادة أخرى من هذه التخطئة.
وأول ما يلقانا به أنه سقطت فى بعض المصاحف ألف الوصل والقطع من كلمة (الأيكة) فكتبوها هكذا (ليكة) يقول : والقراء يقرءونها على التمام أى (الأيكة) (١). وكأنه بذلك ينكر قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر : (ليكة) بفتح اللام وسكون الياء وفتح التاء فى آية الشعراء (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)(٢) وهم من أصحاب القراءات السبع المتواترة. ولا يلبث أن يقف عند قراءة حمزة بن حبيب الزيات ، أستاذ الكسائى وأحد أصحاب هذه القراءات ، للآية الكريمة : (إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) فقد قرأها (يخافا) بالبناء للمجهول ، وأثبت ذلك الفرّاء قائلا : «ولا يعجبنى ذلك» واستشكل عليه بأنه يترتب على قراءته أن يكون الخوف قد وقع على ضمير الاثنين وعلى (أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) وكأن الفعل ليس له نائب فاعل واحد بل له نائبان ، والنحويون يوجّهون ذلك بأن عبارة (أَلَّا يُقِيما) بدل اشتمال من ألف الاثنين (٣). ووقف بإزاء قراءة عاصم ـ وهو من أصحاب القراءات السبع المتواترة ـ لكلمة (يَؤُدُهُ) بسكون الهاء فى قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) وقال إذا كان قد ظن هو ومن شاكله من القرّاء أن الجزم فى الهاء ، وإنما هو فيما قبل الهاء ، فهذا وإن كان توهما ، خطأ. وكان حريّا به أن لا يذكر هذا التوهم والخطأ لأنه عاد فقال موجها للقراءة بأن من العرب من يجزم الهاء ، أو بعبارة
__________________
(١) معانى القرآن ١ / ٨٨ ، ٢ / ٩١.
(٢) انظر تفسير أبى حيان المسمى باسم البحر المحيط ٧ / ٣٧.
(٣) معانى القرآن ١ / ١٤٥ وانظر البحر المحيط ٢ / ١٩٧.