لا يجدى شيئا ولا ينبغى أن يتشاغل به» (١). ويعقّب على وجوه الخلاف السبعة فى رافع المضارع بقوله : «لا فائدة لهذا الخلاف لأنه لا ينشأ عنه حكم تطبيقى» كما يعقب على اختلاف البصريين والكوفيين فى أيهما الفعل أو المصدر أصل الاشتقاق قائلا : «هذا الخلاف لا يجدى كبير منفعة» (٢). ومرت بنا دعوة ابن مضاء إلى إلغاء القياس مستضيئا بإلغاء المذهب الظاهرى له ، وقد مضى أبو حيان فى إثره يقدم السماع على القياس وخاصة إذا تعارضا ، على نحو ما يتضح فى بعض القراءات المخالفة للقياس من مثل العطف على الضمير المتصل المجرور بدون إعادة الخافض ، والفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول (٣). وكان يعارض الكوفيين ومن يتابعهم أحيانا مثل ابن مالك فى القياس على الشاذ والنادر قائلا إن ذلك يفضى إلى التباس الدلالات وصور التعبير (٤). ونقل عنه السيوطى تقيده بالسماع وعدم القياس عليه فى مواضع مختلفة من الهمع (٥). ومع اهتمامه بالسماع كان يخالف ابن مالك فى الاعتماد على الحديث فى الاستشهاد ، لأنه روى بالمعنى ، ورواه أعاجم كثيرون يفشو اللحن على ألسنتهم (٦).
ودائما نراه يتعبّد لسيبويه وجمهور البصريين ، مما جعله يقف فى صف مقابل لابن مالك وما انتهجه لنفسه من متابعة الكوفيين كثيرا فى آرائهم على نحو ما مر بنا آنفا. وليس معنى ذلك أنه رفض جميع آراء الكوفيين ، فقد كان يختار من حين إلى حين بعض آرائهم ، من ذلك ما ذهبوا إليه ، وتابعهم فيه ابن جنى ، من أن عامل الرفع فى المبتدأ الخبر وعامل الرفع فى الخبر المبتدأ فهما مترافعان (٧) ، وكذلك
__________________
(١) الهمع ١ / ٧٩.
(٢) الهمع ١ / ١٨٦ وانظر ٢ / ٦١.
(٣) انظر البحر المحيط ٨ / ٤٢ ، ٤ / ٢٢٩ وراجع ٢ / ٤٩٩ وكان يقول : ما قرئ به فى السبعة لا يرد ولا يوصف بضعف ولا بقلة (همع ٢ / ٥٥) وقال فى قراءة الحسن البصرى (همع ٢ / ٥٥) وقال فى قراءة الحسن البصرى (وما تنزلت به الشياطون) إن ذلك تشبيه لزيادتى التكسير فى الشياطين بزيادتى الجمع السالم فنقلت من الإعراب بالحركات إلى الإعراب بالحروف على جهة التوهم كما صعوا فى همز مصائب ومعائش. انظر الهمع ١ / ٤٧.
(٤) الهمع ١ / ٥٠.
(٥) انظر الهمع ١ / ٤٧ ، ٥١ ، ٨٧ ، ١٤٣ ، ٢ / ٨ ، ١٧ ، ٤٩ ، ٧٦ ، ٨٩ ، ١٠٢ ، ١١٨.
(٦) كان يتابع فى ذلك أستاذه ابن الضائع ، انظر الهمع ١ / ١٠٥.
(٧) الهمع ١ / ٩٤ وما بعدها.